للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاني صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة معلومة]

القاعدة السابعة: معاني صفات الله عز وجل الثابتة بالكتاب أو السنة معلومة، فلا يجوز مثلاً أن تقول: أنا لا أعلم معنى الاستواء، مع أن الاستواء معلوم، فهو الفوقية والارتفاع والعلو.

ولا يجوز أن تقول: أنا لا أعلم صفة المجيء؛ لأنك تعلم ماذا يعني قولك: جاء فلان.

أنا لو قلت لك: جاء زيد.

فإنك تفهم كلامي، فإذا قلنا: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢]، فإنك تعلم معنى المجيء، ولكنك تجهل كيفية المجيء.

إذاً: السلف لم يفوضوا علم الصفات ولا معاني الصفات، إنما فوضوا الكيف، وقد زلت بهذه المسألة أقدام كثير من أهل العلم.

ومن المسائل التي زلت بها أقدام كثيرٍ من أهل العلم: مسألة العلو، قال الله تعالى: {اسْتَوَى} [طه:٥].

فمن قال: لا أعلم معنى الاستواء، نقول له: إذاً: الله خاطبك بكلام غير مفهوم.

وهذا محال، فإذا كنت تقوله في باب الاعتقاد فقله في باب الأحكام، فمثلاً قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣]، أنت لا تعلم معنى الصلاة، وبالتالي أنت لا تعلم ذات الصلاة، وبالتالي أنت لا تصلي؛ لأنك لا تفعل شيئاً أنت لا تعلمه ولا تعلم له معنى.

فهل يتصور أن الله تبارك وتعالى خاطبنا بشيء لا نعلمه ولا نفهمه؟

الجواب

لا.

فإذا قلت ذلك في الأحكام والمعاملات فكذلك في الاعتقاد، فالله تعالى قد خاطبنا في باب الأسماء والصفات بما علمناه وعلمنا معانيه، فإذا ثبتت لله تبارك وتعالى صفة الرحمة فلا بد من إثباتها لله عز وجل؛ لأنه قد أثبتها في كتابه، وأثبتها له رسوله.

ومن قال: لا أعلم معنى الرحمة! تقول له: هذا كلام سخيف وبارد، ومردود على قائله؛ ولذلك ورد عن بعض السلف أنه جادل رجلاً من أهل البدع، فجهل عليه بالعلم، فقام عليه ذلك العالم الرباني صفعاً وضرباً وركلاً، حتى قال له وهو يتضور تحت قدمه: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وهو كان ينازع في أنه لا يعلم معناها، فلما ضرب وديس بالأقدام علم معنى الرحمة، فاحتج بدليل الرحمة في موضوع الرحمة؛ لأنه يعلم معناها.

إذا قلت لك في رابعة النهار: أين الشمس؟ فأفضل جواب عليك السكوت، وإذا كان القمر في ليلة البدر ليس دونه سحاب وأنت تنظر إليه وتقول: أنا لا أرى القمر فأفضل جواب أن نسكت عنك؛ لأنك أعمى البصر والبصيرة، فكذلك الله عز وجل خاطبنا بالصفات التي لها علم عندنا من الكتاب والسنة ولها معان يعلمها جميع العرب، فإذا كان المسلم غير عربي فيجب عليه أن يتعلم العربية كما تتعلم أنت الإنجليزية إذا أردت أن تترجم كلمات كثيرة جداً تمر عليك في صفحات الكتاب الأعجمي تريد قراءتها، لكن لا تعلم معناها، فأنت معذور في هذا، كما أن العجمي إذا استطاع أن يقرأ في كتاب الله فأتى عند صفة من صفات الله عز وجل فيقول: أنا لا أعلم صفة السمع ولا أعرف معناها، قلنا له بالإنجليزية: معنى أن الله سميع، فبينت له بلسانه أنها تثبت صفة السمع لله، فإنه سيقر صفة السمع، فهذا يدل على أن الله تبارك وتعالى خاطب جميع المخلوقين بما هو في مقدورهم أن يفهموه، فلا يدعي واحد بعد ذلك أن الله تبارك وتعالى خاطبه بما لا يفهم.

إذاً: صفات الله عز وجل وسائر أمور الاعتقاد تثبت في خبر واحد، ومعاني الصفات الثابتة في الكتاب والسنة معلومة، وتفسر على الحقيقة، فالله سميع بسمع على الحقيقة، والله قدير بقدرة على الحقيقة، و {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] على الحقيقة.

{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] على الحقيقة.

فمن قال: العين مقصود منها الرؤية أو الرعاية أو الإحاطة أو كف الأذى، نقول له: المعنى هو إثبات العين الحقيقة لله عز وجل، لكن كيفية العين لا يعلمها إلا صاحب العين سبحانه وتعالى، فلا مجاز في الصفات ولا استعارة فيها البتة، وأما الكيفية فمجهولة.