للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات رجل عامي لأبي الهذيل العلاف أن القرآن كلام الله غير مخلوق بأنه لا يفنى ولا ينتهي]

وسأل رجل أبا الهذيل العلاف -وهذا رأس الاعتزال- سأله رجل من عامة الناس عن القرآن: أمخلوق أم غير مخلوق؟ فقال العلاف: هو كلام الله مخلوق، فقال له الرجل: مخلوق يموت أو يخلد؟ فقال: يموت.

قال: فمتى يموت القرآن؟ انظر كلام الناس، وهكذا حال الفطر السليمة.

قال: فمتى يموت القرآن؟ قال: إذا مات من يتلوه فهو موته، وهكذا عندما تورط العلاف أراد أن يلوي لسانه على عادة أهل البدع إذا وضعوا في خانة اليد لووا ألسنتهم وكلامهم وصرفوا النصوص عن ظاهرها.

فقال الرجل: فقد مات من يتلوه -يعني: اعتبر أن جميع من تلا القرآن قد مات- ألا تقول: إن الخلق جميعاً قد ماتوا؟ قال: نعم.

قد ماتوا، فقال: وقد ذهبت الدنيا وتصرمت وقال الله عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:١٦]، فهذا القرآن وقد مات الناس.

يعني: فلماذا لم يمت قوله تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)، فالله تعالى يتكلم بهذا يوم القيامة وقبل بعث الخلق من مرقدهم، ألا تعتقد يا علاف! أن هذا قول الله عز وجل؟ قال: بلى.

هو قول الله عز وجل، قال: إنه تكلم به بعد أن مات القراء والتلاة؛ ليدل على أن كلام الله لا علاقة له بقارئه وتاليه، وأنه لا يموت بموت القارئ والتالي، وهل يتصور تعدد القرآن؟ هل يتصور أن كل واحد له قرآن إن قلنا: إن كل قرآن يموت بموت قارئه)، لكن إذا ماتت جماعة بقيت جماعة أخرى تتلو القرآن؛ ليدل على أن القرآن لا علاقة له بقارئه ولا تاليه.

فقال له الرجل: فقد مات من يتلوه، وقد ذهبت الدنيا وتصرمت، أي: انقضت وفاتت، وقال الله عز وجل: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:١٦] فهذا القرآن وقد مات الناس.

وليعلم أن العلاف هذا من كبار أوتاد المعتزلة.

فقال العلاف: والله ما أدري! وبهت، بهت الذي ابتدع ونافق، وعجز عن أن يرد على ذلك العامي الذي عرف أن القرآن كلام الله بفطرته غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فعجز ذلك الزنديق الأعظم أن يرد على رجل من عامة الناس، وما استطاع بعلمه وبفلسفته وموقفه الفاسد أن يرد على ذلك الرجل الذي استقامت فطرته على منهج النبوة.

[وذكر ذلك عبد الرحمن قال: حدثنا أبو سعيد -أي: أحمد بن يحيى بن سعيد الأنصاري القطان - قال: سمعت رجلاً سأل أبا الهذيل فذكر نحو هذا الكلام.

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك.

فأين ملوك الأرض؟)]، بعد أن يميت الله تبارك وتعالى جميع خلقه يتكلم بهذا: أنا الملك فأين ملوك الأرض؟ أنا الجبار فأين جبابرة الأرض؟ فإذا قلنا: إن القرآن مخلوق يفنى بفناء الخلق فماذا نقول في كلام الله تعالى هذا بعد أن يفني خلقه؟ لماذا لم يفن هذا الكلام؟ ولماذا لم ينته هذا الكلام؟ قال: [هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.

وعن ابن عباس قال: ينادي منادي الله عز وجل بين يدي الصيحة، فيسمعها الأحياء والموتى، وينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦]]، فالله تبارك وتعالى هو الذي يسأل ويجيب على نفسه؛ ليدل على أن كلامه باق بقاء الدهر.

ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عبيد الله الرازي وسعيد بن رحمة المصيصي صاحب ابن المبارك وأبي إسحاق الفزاري، جميعاً يعتقدون بهذه الآية أن الله تبارك وتعالى كلامه غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.