للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما روي عن النبي مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أما ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة].

في الحقيقة لا ينبغي أن يقال: إن صفات الله قديمة؛ لأن وصف الله تبارك وتعالى بالقديم وصف لم يرد في كتاب ولا في سنة، والله تبارك وتعالى وصف نفسه بأنه الأول وأنه الآخر وأنه الظاهر وأنه الباطن، لا أول قبله ولا آخر بعده سبحانه وتعالى، فنقول: إن الله تعالى بأوليته كذلك أول بصفاته وأول بأسمائه.

يعني: الله تبارك وتعالى أول برحمته وعلمه وحلمه وسمعه وبصره، فما استحق أن يكون سميعاً بعد أن سمع؛ لأن الله تبارك وتعالى يسمع أولاً بلا ابتداء، كما أن ذاته أول بلا ابتداء فكذلك صفاته لازمة لذاته، فلا نقول: إن الله تعالى كان بغير سمع ثم سمع، فما استحق أن يكون سميعاً إلا بعد أن سمع، وكان الله تبارك وتعالى بلا رحمة فخلق في ذاته الرحمة، فما استحق أن يكون رحيماً إلا بعد أن رحم، وكان الله ولم يكن شيء من المخلوقات، فما استحق أن يكون خالقاً إلا بعد أن خلق، إن الذي يقول: إن صفات الله تعالى مخلوقة لابد أنه ينفي جميع الصفات والأسماء أولاً عن الله عز وجل، وهذا القول كفر بواح؛ ولذلك نقول: إن الله تبارك وتعالى كان خالقاً قبل أن يخلق الخلق، كان رحيماً قبل أن يرحم الخلق؛ لأنهم غير موجودين من الأصل، وكان الله تبارك وتعالى عالماً بكل شيء.

أليس الله تبارك وتعالى هو الذي كتب كل شيء كان وما سيكون إلى قيام الساعة وما بعدها في اللوح المحفوظ، فهو محفوظ عنده تحت العرش؟ أليس الله تبارك وتعالى كتب وقسم أرزاق الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما صح ذلك الخبر عند مسلم؟ أليس الذي يفعل هذا عليماً؟ فإن الذي يقول: إن صفات الله تبارك وتعالى مخلوقة لابد أنه يلحق النقص بالله عز وجل؛ لأنه يقول: إن الله كان ذاتاً مجردة عن الأسماء والصفات، ثم اكتسب هذه الأسماء والصفات، وهل يمكن أن يكون هنالك ذات بغير صفات؟ بل إن ذوات المخلوقين لابد أن يكون لها صفات من اللون والطول والعرض والحجم والسعة والضيق وغير ذلك، فلا يتصور من باب أولى أن يكون الله تبارك وتعالى بغير صفات أو بغير أسماء.

وصفات الله تبارك وتعالى وأسماؤه موقوفة، أي: أنه لا يجوز لي أن أصف الله تبارك وتعالى بما لم يصف به نفسه ولم يصفه به رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فلا يصح أن أقول: إن الله تبارك وتعالى من أسمائه الستار، أو من أسمائه المنعم.

هذا غلط؛ لأنه لم يصح في ذلك حديث قط، وإنما الذي صحَّ ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة).

وفي رواية الترمذي: (هو الله الخالق البارئ المصور) إلى آخر الأسماء التسعة والتسعين، ولكن سرد الأسماء في زيادة الترمذي ليست صحيحة، أي: أن الحديث بهذه الزيادة ليس صحيحاً، ولذلك من الأمور المخالفة أن تكتب هذه الأسماء، وأن تعلق هنا وهناك على أنها أسماء الله تبارك وتعالى الواردة في الحديث الذي أخرجه الترمذي، فكيف نعتمد في أمر من أمور العقيدة -وهو أمر عظيم يتعلق بأسماء الله وصفاته- على حديث ضعيف؟ إذا كان أهل العلم قد اختلفوا في اعتبار الحديث الضعيف في فضائل الأعمال فما بالكم بالأحكام والعقائد؟ ولكن الله تبارك وتعالى -كما تعرض لذلك غير واحد من أهل العلم- له تسعة وتسعون اسماً مستفادة من كتابه ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، أي: أنه عندما تجمع الأسماء التي صحت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام وجاءت في كتاب الله تجدها من مجموع الكتاب والسنة تسعة وتسعين اسماً.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك).

هذا الحديث يدل على أن لله غير هذه الأسماء أسماءً استأثر بها في علم الغيب عنده، ولكن النبي عليه السلام أخبرنا أن الذي أنزل في الكتاب والسنة تسعة وتسعون اسماً، وهذا لا ينفي أن يكون هناك أسماءً أخرى استأثر الله تبارك وتعالى بها.