للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريقة السلف في النفي هي النفي المتضمن لكمال الضد]

القاعدة السادسة: طريقة السلف في النفي هي النفي المتضمن لكمال الضد، يعني: إذا نفيت أن الله تعالى ينام، والنوم صفة نقص في حق المولى تبارك وتعالى، وكل صفات النقص منتفية عن المولى تبارك وتعالى، فإذا كنت تنفي صفة النقص هذه عن المولى فلابد أن تثبت كمال ضدها، فتقول: هو القيوم، فكمال الضد للنوم أن الله قيوم قائم بذاته لا يحتاج إلى أحد من خلقه، كما أنه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، ولا يجوز أن نفرض أنه لو نام لحدث كذا وكذا؛ لأن هذا الفرض مجرد طرحه لا يجوز ولا ينبغي؛ لأن طريقتنا في النفي هي النفي المطلق لجميع صفات السلوب، أي: جميع صفات النقص.

فالناس ينامون ويستيقظون، والمولى تبارك وتعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، فطريقة السلف في النفي هي النفي المتضمن لكمال الضد، فإذا نفيت صفة نقص عن المولى عز وجل فلابد أن أثبت ضد هذه الصفة على أعلى درجات الكمال.

فالإنسان يوصف بأنه أعمى، والمولى تبارك وتعالى يوصف بضد هذه الصفة، فهو البصير تبارك وتعالى، وبصر الله تبارك وتعالى لا حد له ولا نهاية؛ لأنه يبصر على أعلى درجات الكمال، وليس هناك أحد من خلقه يشبهه في الإبصار؛ وذلك لأن الله تبارك وتعالى يبصر السر وأخفى، يبصر الخطيئة، ويبصر الغيب كما يبصر المشاهد، وأنت لا تبصر إلا الذي أمامك، وبصرك محدود، فأنت لا ترى إلا من بالمسجد، وكذلك لا ترى جميع من بالمسجد، بل إنني لو وقفت أمامك فإنك لم تحطني رؤية وبصراً؛ لأنك لا ترى مني إلا ما يقابلك من جسدي كالوجه والصدر ومقدم اليدين ومقدم البدن، أما من خلف فأنت لا تراني، وإن أتيت إلى خلفي فأنت ترى خلفي ولا ترى أمامي، فبصرك ضعيف عاجز ناقص، بخلاف بصر المولى تبارك وتعالى؛ فإنه يبصر كل شيء، لا يخفى عليه شيء لا بالليل ولا بالنهار، مهما أخفيت شيئاً فإن الله يعلمه، ولو وضعته في سبع أرضين فإن الله تعالى يبصره ويعلمه، فإذا كنا ننفي عن المولى تبارك وتعالى صفة نقص فإن الله تبارك وتعالى يتصف بضدها بأعلى درجات الكمال.

ونحن نقول: فلان ظالم، فالظلم صفة نقص، والمولى تبارك وتعالى نفى عن نفسه الظلم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:٤٤] بل رحمته سبقت غضبه.

فالظلم صفة نقص يتصف بها المخلوق وليس الخالق، فنفي صفة الظلم عن الله سبحانه وتعالى يلزم منه إثبات ضدها للمولى عز وجل وهي العدل، كما أن عدل الله ليس كعدل المخلوق؛ لأن عدل الله تبارك وتعالى عام وشامل وفي أعلى درجات الكمال من العدل.

ومن الممكن أن أقول: فلان عادل، لكنه ليس عادلاً بصفة مستمرة؛ لأن عدله ليس مع كل الناس، فهو بشر قد يحيد في يوم ما على فلان من الناس.

فلو أن قاضياً قضى بين متخاصمين، وأحد هذين الخصمين عدو أو بغيض إلى ذلك القاضي، فأنت لا تأمن أبداً قضاءه في هذا الخصم؛ وذلك لأنه بشر ربما يحيد، وإن اعتبرنا أن هذا القاضي عادل في الخصومة؛ لأنه ليس له عدو من المتخاصمين، ولكنه يقضي بما يسمعه من المتخاصمين لا بما يراه، وربما أحد الخصمين ألحن بحجته من صاحبه فيقضي القاضي للظالم، وهو ليس آثماً بهذا الحكم؛ لأنه حكم بناءً على ما سمع.

فالذي يعلم خصوصية العدل وحقيقته هو الله عز وجل، وسيقضي بعدله يوم القيامة بأن يرد المال إلى صاحبه على شكل حسنات، أي: يؤخذ من حسناته ويعطى لصاحب الحق، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئات الأول فطرحت عليه حتى طرح في النار؛ وذلك لأن عدل الله تبارك وتعالى متعلق ببقية صفاته كالعلم والسمع والبصر وغير ذلك، وإن الله تعالى في هذه الخصومة قد علم الحق أين هو، وقد شاهد ذلك مشاهدة يعلمها هو سبحانه وتعالى، فرغم إجراء الباطل في الدنيا إلا أن الأمور ترد إلى نصابها يوم القيامة.

فنقول: إذا اتصف المرء بالظلم فإن الله ليس بظلام للعبيد، بل إنه متصف بضد هذه الصفة وهو كمال العدل للمولى تبارك وتعالى.