للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة من القرآن على أن الله مستو على عرشه فوق خلقه]

قال: [وقال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]]، فالصعود لا بد وأن يكون إلى جهة العلو، وكذلك الرفع، قال: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ) أي: يرتفع {الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، وأن الله تعالى يجازي صاحبه خيراً، {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، أي: يرفعه إليه ويقبله.

قال: [وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:١٦ - ١٧] فقوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، والذي في السماء هو الله عز وجل، وكما اتفقنا أن (في السماء) بمعنى: (على السماء).

قال: [وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:٦١]]، فأسند لنفسه تارة العلو وتارة الفوقية، وهما بمعنى واحد، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام:٦١]، أي: يرسل عليكم من السماء إلى الأرض حفظة؛ فدلت هذه الآيات على أنه تعالى في السماء، وعلمه في كل مكان من أرضه وسمائه.

فهذا أمر معلوم لدى جميع السلف أن الله تعالى بذاته استوى على العرش، ولكن لما خاض المعتزلة والأشاعرة من بعدهم في صفات المولى تبارك وتعالى، وتكلموا على استوائه وفوقيته، أو معيته مع خلقه -قالوا: إن الله تعالى مع خلقه بذاته في كل مكان، هذا قول المعتزلة والأشاعرة، وهو قول يناقض وينافي الحق تماماً ولا حق فيه، بل الحق أن الله تبارك وتعالى مستو بذاته على العرش، مباين لخلقه، كما ثبت ذلك من كلام السلف، وللإمام الطحاوي شعر ونظم جميل جداً في بيان معتقد أهل السنة والجماعة في معية الله تبارك وتعالى، قال: نؤمن بالله تعالى، وأنه فوق السماء، أي: وأنه استوى على عرشه بائن من خلقه، ومعنى بائن: غير ملاصق لخلقه، بل مغاير لهم.

ولا بد أن نعرف أن العرش مخلوق ولا خالق إلا الله عز وجل، وقول الإمام: بائن من خلقه، يدل على أن الله غير ملاصق للعرش، ولكنه فوق العرش سبحانه وتعالى، وذلك لما كان العرش أعلى شيء في المخلوقات؛ فإن الله تعالى فوق هذا العلو، يعني: أن الله تبارك وتعالى أعلى من كل مخلوق، وأعلى المخلوقات هو العرش، والله تعالى فوق العرش.

فدلت هذه الآيات على أنه تعالى في السماء، وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه؛ لأن الله تعالى قد أحاط علمه بكل شيء، والسماوات شيء، والأرض شيء، وجميع المخلوقات شيء، وأن علم الله تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء، روي ذلك عن الصحابة: عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة، ومن التابعين: ربيعة بن أبي عبد الرحمن الفقيه المدني، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وقال به من الفقهاء: مالك بن أنس، والثوري، وأحمد بن حنبل، ونحن نذكر هذا على سبيل الاختصار، وإلا فقد سبق أن سردنا الكثير من أسماء السلف الذين تكلموا وصنفوا في معتقد سلف هذه الأمة.