للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سياق ما دل من الكتاب والسنة في أن الله عالم بعلم وأن علمه غير مخلوق]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما دل من كتاب الله، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله عالم بعلم].

وهذا في باب الأسماء والصفات للمولى عز وجل، وهو من أعظم الأبواب ومن أخطرها، فيجب أن يكون الكلام في هذا الباب في غاية الأهمية، خاصة وأن الذات الإلهية غيب عنا، فإذا كان الأمر كذلك، فهذا يستلزم أن صفاته كذلك غيبٌ عنا، فلا نستطيع أبداً أن نجزم باسم لله عز وجل، أو بصفة من صفاته إلا عن طريق السمع والخبر، فأنا أستطيع أن أصفك لأني أراك، والمولى تبارك وتعالى ليس كذلك؛ لأنه لا يراه أحد في الدنيا، ولو كان يراه أحد لرآه موسى عليه السلام حينما طلب من ربه أن يراه، فقال: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:١٤٣].

فالله تبارك وتعالى لم يحقق هذه الرغبة لموسى عليه الصلاة والسلام، ولكنه قال: {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣]، ولكن الجبل لم يستقر.

فرؤية المولى تبارك وتعالى في الدنيا مستحيلة وغير ممكنة ألبتة، لا نقول إلا أن يشاء الله فلو شاء الله أي شيء كان، ولكن الله تعالى قضى ألا يراه أحد في الدنيا على خلاف الآخرة؛ فإن المؤمنين يرونه رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، بخلاف الكافرين فإن الله تعالى يحجب ذاته ونفسه عن الكافرين عقوبة لهم.

الشاهد من هذا الكلام: إذا كان الله تعالى غيب عنا فلا نعرف أوصافه، ولا أسماءه، وفي المقابل نقول: إن الله تعالى أرسل رسوله، وأنزل معه الكتاب، وأخبرنا في هذا الكتاب أن له أسماء وصفات، فإذا كنا نؤمن بهذا الكتاب، فلابد وأن نؤمن بأن لله أسماء وصفات، والله تبارك وتعالى فرق بين الأسماء والصفات.

فقوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٣٧] أثبت في هذه الآية اسمين: السميع والعليم، فلابد وأن نثبت أن لله هذين الاسمين.

وقال الله تعالى لموسى وهارن: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦].

والله تبارك وتعالى يسمع بسمع، ويبصر ببصر، ويعلم بعلم، ويقدر بقدرة، وهو رحيم برحمة، وقوي بقوة، فهذه الأسماء اشتقت منها الصفات مع أن الصفات ثابتة، فضلاً عن جواز اشتقاق الصفة من الاسم، إلا أن الله عز وجل أثبت بالنص أن له صفات بخلاف الأسماء ولكنها تتناسب مع الأسماء؛ لأنه هو السميع وهو يسمع، وهو البصير ويبصر، وهو العليم ويعلم.

هذا الكلام أجمعت عليه الأمة إلا المعتزلة، وقليل من الجهمية، قالوا: إن الله تعالى يسمع بغير سمع، ويبصر بغير بصر، ويعلم بلا علم، ويرحم بلا رحمة؛ لأنه عليم بذاته، بصير بذاته، رحيم بذاته.

أرادوا من ذلك إثبات الأسماء ونفي الصفات.

ولكن أهل السنة والجماعة اتخذوا قاعدة في أسماء الله تعالى وصفاته، هذه القاعدة لا يضل من تمسك بها، بل يضل من خالفها وجعلها وراء ظهره، وهي: (أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية).

ومعنى توقيفية: أي: ما أوقفه الشرع، فمثلاً: صلاة الظهر أربع ركعات فقط، بلا زيادة ولا نقصان، فالله تعالى قد شرع وأذن وفرض ألا يصلى الظهر متعمداً أكثر من أربع ولا أنقص منها إلا في حال القصر وهو تشريع بنص.