للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بمدلول الأسماء والصفات]

قال: [وعن إسحاق بن راهويه: إن الله سميع بسمع، بصير ببصر، قادر بقدرة].

والمعتزلة قالوا: إن الله سميع بغير سمع، بصير بغير بصر، قادر بغير قدرة، ومعنى ذلك: أن الله تعالى ذات متصفة بأسماء لا مدلول لها في الواقع.

من الممكن أن يكون الإنسان قوياً ويصرعه أحد الناس، أو كريماً وفيه ما فيه من البخل والشح أو لطيفاً وعنده من الغلظة ما فيه، فلا يلزم من صفات المخلوقين أن يكون لها وجود في الواقع، بل من الممكن أن يتصف المرء بصفة وبضدها، وليس لصفات المولى تبارك وتعالى ضد، وإنما ضدها في المخلوقين لا في الخالق، فالله تبارك وتعالى اتصف بالحلم فحلمه وسع كل شيء، وهو حليم إلى أقصى درجات الحلم وأكمل درجات الحلم، بحيث لا حلم بعد ذلك، ولا أحد يتصف بهذه الصفات فيداني أو يقارب المولى تبارك وتعالى، لأنه متفرد في صفاته، فلا أحد في الخلق يبلغ مبلغ الحلم لله عز وجل، ولا يدانيه ولا يقترب منه، لأن حلمه عام وحلم المخلوق خاص.

فكذلك لو قلت: إن الله سميع بغير سمع يلزمني أن أقول: ربما يتصف بالسمع وغيره.

أنا ممكن أن أسمى سميع وأنا أصم، وأنا في الحقيقة لا أسمع شيئاً لأنني أصم، فلا يلزم من كون اسمي سميعاً أن أكون سميعاً حقاً.

فهذه المسألة مهمة جداً: إذا قلت: إن الله سميع بغير سمع، وبصير بغير بصر، وعليم بغير علم، يلزمك أن تقول: أنه لا يسمع أصلاً، ولا يبصر أصلاً، ولا يعلم أصلاً، أو أحياناً يعلم وهو لا يعلم، ويبصر وأحياناً لا يبصر، وأحياناً يكون قادراً وأحياناً يكون عاجزاً.

بالنسبة للمخلوق لا يلزم من ذكر اسم قادر أن يكون في كل شيء قادراً، فلا يلزم من كان من المخلوقين اسمه قوي أن يكون قوياً، أو من كان اسمه قادر أن يكون قادراً على كل شيء، إنما يلزم لله عز وجل أن يكون صاحب القدرة، والقوة المطلقتين، فهو سميع بسمع، وبصير ببصر، وغير ذلك من الأسماء والصفات.