للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على الاتباع والاقتداء]

قال: [يقول الله عز وجل فيما يحث به على اتباع دينه، والاعتصام بحبله، والاقتداء برسوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:١٠٣]].

فانظر إلى قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}! ولذلك تجد أهل السنة طائفة واحدة، وأهل البدع طوائف متعددة؛ لأنهم اتخذوا دينهم فرقاناً، واتخذوا شرعهم أشتاتاً وأشلاءً، ولذلك تجد في حديث افتراق الأمة أن هذه الأمة ستتمزق، وستبتعد كل الابتعاد عن كتاب الله وعن سنة رسوله، إلا طائفة واحدة تتمسك بما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، فقال: (وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.

قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).

أي: أن أهل السنة والجماعة هم الذين يتمسكون بالأمر العتيق.

ولذلك يقول عبد الله بن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

وكأن المبتدع يقول لله عز وجل: أنت لم تكمل شرعك، وأنت لم تتم النعمة علينا، ورسولك لم يبلغ هذا الدين إلينا، فهو يتهم الله تبارك وتعالى في أنه قصر في هذا الدين، وفي إتمامه وكماله، ويتهم الرسول كذلك فيما بلغ عن رب العزة تبارك وتعالى.

مع أن الله تبارك وتعالى قد أتم لنا هذا الدين، وأكمله ورضيه لنا، فقال آمراً إياناً: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ)).

ولا شك أن حبل الله هو كتابه، وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

قوله: ((وَلا تَفَرَّقُوا)).

هذا نهي عن التفرق والتشرذم والابتعاد عن الاعتصام بالكتاب والسنة.

قال: [وقال تبارك وتعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:٥٥].

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:١٥٣]].

فجعل طريقه واحداً، فقال: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي)) ولم يقل: صرطي وطرقي، وإنما هو طريق واحد، وصراط واحد، وسبيل واحد.

قال: [وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣].

وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:١٧ - ١٨]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:٣١]-أي: أن اتباع النبي عليه الصلاة والسلام يؤدي إلى- {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١].

وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:١٠٨] أي: على علم.

{أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].

ثم أوجب الله طاعته وطاعة رسوله فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال:٢٠].

وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠].

وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:٥٤]، وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧١].

وقال: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥٢].

وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩]، قيل في تفسيرها: إلى الكتاب والسنة -فردوه إلى كتاب الله وإلى رسول الله في حياته، وبعد مماته إلى سنته- ثم حذر من خلافه والاعتراض عليه.

فقال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:٦٥]-أي: نفى عنهم الإيمان- {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:٦٥]-يا محمد- {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]-أي: يرضوا بهذا الحكم كامل الرضا- وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِ