للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال سيد قطب في التأويل]

أيضاً: سيد قطب رحمه الله تبارك وتعالى، وهو لم يتمكن من دراسة الاعتقاد، فقد دخل السجن قبل أن يقرأ كتاباً في العقيدة، وما تعلم في السجن شيئاً، بل تفرغ للكتابة والتصنيف.

والذي يظهر أن السيد قطب يثبت صفة الوجه، ولكن بتحفظ شديد جداً، فقد قال في سورة البقرة عند قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥]: فهي توحي بأنها جاءت رداً على تفضيل اليهود في إدعائهم أن صلاة المسلمين إلى بيت المقدس كانت باطلة وضائعة ولا حساب لها عند الله، والآية ترد عليهم هذا الزعم، وهي تقرر أن كل اتجاه قبلة، فثم وجهه حيث توجه إليه عابد، وإنما تخصيص قبلة معينة هو توجيه من عند الله، لا أن وجه الله سبحانه في جهة دون جهة، والله لا يضيق على عباده ولا ينقصهم ثوابهم، فهو عليم بقلوبهم ونياتهم، ودوافع اتجاهاتهم، وفي الأمر سعة، والنية لله، إن الله واسع عليم.

وقال في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨]: فكل شيء زائل، وكل شيء ذاهب، المال والجاه والسلطان والقوة والحياة والمتاع، وهذه الأرض ومن عليها، وتلك السماوات ومن فيها وما فيها، وهذا الكون كله ما نعلمه منه وما نجهله كله هالك، فلا يبقى إلا وجه الله الباقي متفرداً بالبقاء.

وقال عند قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧]: وفي ظل هذا النص القرآني تخفت الأنفاس، وتخشع الأصوات، وتسكن الجوارح، وظل الفناء يشمل كل حي، ويطوي كل حركة، ويغمر آفاق السماوات والأرض، وجلال الوجه الكريم الباقي يظلل النفوس والجوارح والزمان والمكان، ويغمر الوجود كله بالجلال والوقار.

ثم ذكر كلاماً وقال بعده: ويعقب على هذه اللمسة العميقة الأثر بنفس التعقيب، فيعد استقرار هذه الحديقة الغناء لكل من عليها، وبقاء الوجه الجليل الكريم وحده بعد استقرار هذه الحقيقة نعمة يواجه بها الجن والإنس.

وقال عند قوله: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} [الليل:١٩ - ٢٠]: ثم ماذا ينتظر هذا الأتقى الذي يؤتي ماله تطهراً وابتغاء وجه ربه الأعلى؟ إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب ومفاجئ على غير المألوف.

فهو في تفسيره لهذه الآيات لا يؤولها بل يبقيها على ظاهرها، فنحمله على المتبادر إلى الذهن من إثبات الصفات.

وسيد قطب أول صفات كثيرة لله عز وجل وأقل تأويله هو تأويله لصفة الوجه، وقد أول صفة الاستواء، وصفة الكلام، وصفة الكرسي، وصفة الإتيان والمجيء، وصفة النفس، وصفة العين، والمحبة، واليد، والفوقية، وإثبات الرؤية، وصفة المعية، وأقل تأويله هو تأويله لصفة الوجه دون هذه الصفات.