للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنكار المعطلة لصفة القدم لله عز وجل]

قال الخطابي: ونحن أحرى ألا نتقدم فيما تأخر عنه من هو أكثر منا علماً وأقدم زماناً وسناً، ولكن الزمان الذي نحن فيه قد صار أهله حزبين: منكر لما يروى من هذه الأحاديث، وهؤلاء هم الجهمية الذين أنكروا صفات الباري تبارك وتعالى، ومكذب به أصلاً.

فإما أنه يرد الأحاديث ويثبت أنها ضعيفة أو مكذوبة بعقله لا بالأدلة والقواعد التي وضعها أهل العلم لإثبات النص ورده، وإما إذا غلبناهم وقلنا: إنها صحيحة وأنها قد وردت في الصحيحين وغيرهما لجئوا إلى حيلة أخرى وهي تأويل هذه النصوص وصرفها عن ظاهرها.

قال: منكر لما يروى من هذه الأحاديث ومكذب به أصلاً، وفي ذلك تكذيب العلماء الذين رووا هذه الأحاديث، وهم أئمة الدين وثقة السنن، والواسطة بيننا وبين النبي عليه الصلاة والسلام.

فلماذا ترد هذه الأحاديث؟ يعني: هذا الحديث الذي بين يدينا رواه البخاري ومسلم، وهو يثبت أن لله تبارك وتعالى رجلاً أو قدماً والأمة اتفقت على قبول الصحيحين وأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، فهل سترد حديثاً اتفقت الأمة على قبوله؟ سيجد المبتدع حرجاً، فيقول: لا.

إذاً: لابد أن نذهب مذهباً آخر، ولو رده سأقول له: ولم رددته؟ أفيه انقطاع؟ سيقول: لا.

أرواته عدول؟ فسيقول: نعم.

عدول.

بمعنى: أنهم ثقات ضابطون؟ سيقول: نعم.

أهناك شذوذ؟ يقول: لا.

فيه علة؟ يقول: لا.

إذاً: لم رددته؟ يقول: لأنه يستحيل عقلاً أن يثبت هذا لله عز وجل؛ لأنه يلزم من ثبوت هذا ثبوت الجارحة لله عز وجل، واليد الجارحة كأيدينا تماماً، وكأرجلنا تماماً، إذا كنتم تؤمنون بأن لله رجلاً.

وأنه سبحانه يضعها في النار حتى تقول: قط قط، وينزوي بعضها إلى بعض، فيلزمكم أن تقولوا: إن لله رجلاً كأرجلنا.

وأهل السنة يقولون: لا.

لا يلزم من إثبات الصفة لله عز وجل مشابهتها لصفات المخلوقين، لكننا نثبتها لله عز وجل على المعنى اللائق بالله عز وجل، ولا نتعرض لها بتكييف ولا تحريف ولا نصرفها عن ظاهرها، وإنما نؤمن بها ونمر أدلتها كما جاءت بعد الإيمان والتسليم بهذه الأدلة على مراد الله عز وجل في إثبات صفاته وكماله.