للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظهور التشيع في مصر والمغرب على يد أبي عبد الله الفارسي]

والتشيع ما ظهر في بلاد مصر، ولا في القطر المغربي كله إلا على يد رجل واحد أيضاً يقال له: أبو عبد الله الفارسي، وقد أتى من بلاد فارس حاجاً، فنصب خيمته في منى، وتظاهر بالعبادة الشديدة بجوار خيام المصريين.

فلما رأوا من عبادته وحسن صلاته وقيامه ودعائه أعجبهم ذلك جداً، فأرادوا أن يتعرفوا عليه، فلم يذكر لهم اسمه أبداً، وإنما قال: أنا أبو عبد الله الفارسي حتى عرفوه بهذا، وبعد أن فرغ من الحج قالوا: إلى أين تريد؟ قال: إلى بلاد المغرب، قالوا: ولم؟ قال: لأعلم صبيانهم القرآن الكريم.

قالوا: غرض نبيل، إذا أردت أن تذهب إلى بلاد المغرب فلا بد أن تمر بمصر، فحملوه حملاً على أن يبقى في مصر، وهو يريد أصلاً البقاء فيها؛ لأنه يعلم أن مصر ثغر من ثغور الإسلام، فإذا أراد أحد أن يضرب الإسلام فعليه بمصر، وإذا أراد أحد أن ينصر الإسلام ويؤيده فعليه بمصر.

فهذا المخالف يعلم أن هذه البقعة المصرية عليها مدار العز والذل لأهل الإسلام، فهو يريد أن يبقى في مصر، لكنه يتظاهر بالاستغناء عن ذلك، فحملوه حملاً على أن يبقى في مصر، وبعد أن بث سمومه بواسطة تحفيظه القرآن الكريم للغلمان والأطفال، ونشأ جيش كبير جداً من الشباب والرجال يتشيعون لـ علي بن أبي طالب افتضح أمر ذلك الرجل، وعرفه أهل السنة والجماعة، فهرب، وبدأ بأفريقية وانتهى بالمغرب العربي، وهناك أنشأ دولة أخرى عظيمة من دول الشيعة، ولما ضعف المسلمون تماماً أتى بذلك الجيش الجرار الشيعي من بلاد المغرب، وكلما مر على ملأ أخذ منهم حظاً ونصيباً من المتاع والعتاد والأفراد الذي يدخلون في مذهبه، ورتب داخلياً مع تلاميذه وأبنائه الذين رباهم في مصر، وكانت هذه البداية لنشأة الدولة الفاطمية في مصر.

ولما حكم الفاطميون مصر قضوا على الأخضر واليابس في دينها، إلى أن قيض الله عز وجل لهذه الأمة بأسرها صلاح الدين الأيوبي.

والفاطميون أناس خبثاء، فقد دخلوا مصر ونشروا فيها مذهبهم، وأرادوا أن يظهروا أمام الناس بمظهر حسن، فبنوا الجامع الأزهر لتدريس العلوم الشرعية على مذهب الشيعة، ولكن الشعب المصري لا يميز بين الحق والباطل، ولا بين الخير والشر، ولا بين العسل والسم، فإن معظم الشعب قد تحسى السم وهو يقول للشر: خير، وللباطل: حق؛ لأن الشيخ فلان قال به، والعالم فلان قال به.

وهكذا حال هذا الشعب في صبر وفي حرب إلى قيام الساعة، فهذا الخلاف وهذا الشر لم يكن موجوداً في الصدر الأول للإسلام.