للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدل الله تعالى والحكمة من خلق الجنة والنار]

فتصور أنك رجل مؤمن موحد مطيع لله عز وجل، وجارك رجل عاص وفاسق وزنديق وغير ذلك، لو أتيتما يوم القيامة والله تعالى أدخلكما جميعاً الجنة فستقول: ما هي القضية؟! وهذا لا يحصل؛ لأن الله خلق الجنة وخلق النار لحكمة عظيمة، فهل مآل هذا المشرك المعرض العاصي الجاحد الجنة؟ وهل أهل الجنة يقفون على الباب والعصاة يدخلون الجنة؟ لا، لا بد للكفرة من عقاب، وعقابهم أن يدخلوا النار.

والذي يهزأ ويسخر، بل ويُعذب المؤمنين الموحدين؛ لا يهنأ قلبك حينما يكون بجوارك في الجنة؟ فهو لن يدخلها، ولا بد له من عذاب وعقاب.

ولا بد أن تعتقد أن ما عند الله عز وجل من خيرات هي أعظم مما في أيدي العباد من خيرات، وما عند الله كذلك من عذاب وعقاب هو أشد وأبقى، فهناك من عنده روح الانتقام، ولا يحب أن يفوت صغيرة، فعندما يغلط عليه واحد لا بد أن يتشفى منه، ولا يقر له قرار إلا بعد أن يأخذ حقه، فالله بقادر على أن يأتي به يوم القيامة، والله يقدر على مثل ذلك بمئات المرات، فلماذا أنت متضايق؟ ففوض أمرك إلى الله عز وجل، واصبر واحتسب، فالصبر عبادة، وقد فرضه الله على عباده {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣]، فالحق عبادة، والصبر أيضاً عبادة.

وهذه العبادة تستخدمها وقت الضعف، وأما في وقت القوة فتستخدم الحق؛ لأنك ستكون لك صولة وجولة ونجدة وغير ذلك حينما تكون في زمن القوة، فعندها تستخدم الجهر والصدع بالحق وغير ذلك، وكل الذي يقابلك في الطريق يعطلك عن هذه الدعوة خذه في طريقك، ولذلك نجد الإسلام حينما كانت له دولة وشوكة كان النبي عليه الصلاة والسلام يبعث الجيش إلى أي بلد من البلدان ليغزوها، أو يفتحها، أو يدعوها فإنه يخيرهم بين ثلاثة أشياء.

إما أن تسلموا وتدخلوا معنا في الدين، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا فليس هناك فرق بيننا وبينكم.

وإما أن تبقوا على ديانتكم ولكن لا بد أن تأذنوا لنا في الدخول، فإذا أذنتم ولم تدخلوا في الدين فادفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.

والواحد منا الآن حينما يسمع هذه الآية قلبه يتقطع فيقول: نحن صاغرون في هذا الوقت، يقول الإمام ابن تيمية: ولو أن اليهود والنصارى علوا وحاصروا المسلمين في ثغر أو بلد، وأمروهم بدفع الجزية وإلا أُريقت دماؤهم؛ كان واجباً على المسلمين أن يدفعوا الجزية، وأصبحت الجزية على المسلمين بعد أن كانت مفروضة على رقاب النصارى واليهود، وليس هذا فحسب، وإنما أيضاً يدفعونها بذلة فيدفعونها وهم صاغرون، أي: أن زعيمهم وعمدة بلدهم يأتي بالجزية فتقول له: اذهب وخذها معك وهاتها غداً، ثم يأتي في الغد فتقول له: خذها وأرجعها في الشهر القادم، وتذله وتذل أنفاسه، وأما الآن فنحن في ذلة؛ وهذا إنما هو بسبب بعدنا عن الكتاب والسنة.