للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حديث مصير أولاد المشركين يوم القيامة]

قال: [عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن أولاد المشركين؟ قال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين)].

أي: أن الله قبل أن يخلقهم يعلم أنهم لو عاشوا بعد ذلك ماذا كانوا سيصنعون؟ ولكن الله قدر عليهم الموت في سن قبل سن الحساب وجريان القلم، ولذلك فالله عز وجل يعلم ما العبد يعمل، وما هو إليه صائر قبل أن يعمل العامل، وإذا عمل العامل عملاً صالحاً أو سيئاً ربما نسيه، ولكن الله تبارك وتعالى لا يضل ولا ينسى.

وهذا الكتاب الذي تستلمه أنت بيمينك أو بشمالك أو من خلف ظهرك، فيه كل شيء، وهو محل ثواب وعقاب، كما قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨].

وقد اختلف أهل العلم في تأويل هذه الآية: هل كل قول يقوله المرء يُحاسب عليه أم يُكتب عليه؟ فبعض أهل العلم قال بظاهر الآية.

أي: أن كل شيء يكتب على العبد وإن كان كلاماً مباحاً لا ثواب فيه ولا عقاب.

وجمهور المفسرين على أن الذي يُكتب على العبد هو الكلام الذي يثاب ويعاقب عليه، والذي هو محل مساءلة، ومحل جزاء وحساب، وعليه فإذا كان الأمر كذلك فالله عز وجل علم ماذا سيعمل أولاد المشركين لو أنهم عاشوا بعد بلوغهم الحلم.

واختلف أهل العلم في مصير أولاد المشركين، ولم يختلفوا في أولاد الموحدين المؤمنين لو ماتوا قبل بلوغهم سن التكليف، فإنهم لو ماتوا فهم من أهل الجنة، أما أولاد المشركين فلو ماتوا قبل سن التكليف فالعلماء في ذلك على أقوال: القول الأول: أنهم تبع لآبائهم.

أي: أنهم في النار مع آبائهم.

القول الثاني: أنهم من أهل الجنة؛ لأن الله تعالى يحاسبهم على أساس فطرتهم -فطرة التوحيد- التي خلقهم عليها أولاً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يولد المولود على الفطرة).

وفي رواية: (على فطرة الإسلام، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

وفي رواية مسلم: (ويشركانه).

أي: يجعلانه مشركاً.

فهذا الولد لم يدخل في هذا الشرك، أو في هذه اليهودية، أو في هذه النصرانية إلا بعد أن يكبر ويميز ويختار هذا الكفر أو هذا التهويد أو هذا التنصير أو غير ذلك، فإذا مات قبل اختياره وقبل تمييزه واعترافه وإقراره بهذا الشرك، فإنه من أهل الجنة؛ لأنه مات على أصل فطرته الأولى، وهي فطرة التوحيد التي خلقه الله تعالى عليها.

القول الثالث: التوقف.

وأصحاب هذا القول قالوا: الله عز وجل أعلم بمصيرهم، إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣].

القول الرابع: أن الله تبارك وتعالى يعقد له اختباراً وابتلاءً يوم القيامة، فإذا اختار طريق المعصية وفقه إليها وأدخله النار، وإذا اختار طريق الطاعة وفقه إليها وجعل طريقه إلى الجنة.

فهذه هي الأقوال الأربعة فيما يتعلق بمصير أولاد المشركين.