للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كراهة السلف للمشي خلفهم وأن توطأ أعقابهم]

قال: [وقال سليمان بن المغيرة: كنت عند حميد بن هلال فلما قام من مجلسه تبعه أيوب ويونس بن عبيد فدخلوا عليه فرأيت في وجهه المساءة -أي: مغضب- قلت: مالك؟ قال: كنت أحسب أن هذين الشيخين الحسن وابن سيرين إن هلكا خلفاهما أيوب ويونس.

قلت: وإنا لنأمل ذلك فيهما.

قال: أما رأيت اتباعهما إياي؟ وذكر فعلهما].

يعني: المشي وراء العالم ليس من السنة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يكرهون أن توطأ أعقابهم، ويقولون: إنما ذلك ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.

والشخص أحياناً لما ينظر في مساجد السلفيين ويرى ما لا يراه في مسجد الحسين والسيدة زينب، ولقد رأيت أحد الدعاة كان يحاضر في مسجد، وهو على سفر فصلى بهم العشاء فقصر وسلم من ركعتين، فحصل الشجار على الصف الأول خلف الشيخ، والذي حصل أيضاً أن شخصاً بعد أن وقف وكبر، قام آخر وأبعده من مكانه، فالإمام حينما سلم من ركعتين، والذين كانوا وراءه مباشرة، وهم راكعون كانوا يمدون أيديهم لكي يسلموا عليه وهم في الصلاة، فلما أدرك الشيخ جزاه الله خيراً خطورة المسألة أجاز لنفسه أن يتحول عن هذا المكان قبل تسليم المأمومين، فقام بعض الناس بعد أن فرغوا من الصلاة، وأراه كالمرأة الثكلى التي فقدت ولدها، والذي يغمى عليه، والذي يقع على الأرض ما هذا! فهل يمكن أن تسمى هذه المساجد مساجد سلفية؟ ومع هذا لن تضروا الشيخ شيئاً، فالشيخ موقفه من الله عز وجل معروف وظاهر من الدعوة إلى السنة واتباعها، ولا ذنب له فيما يحدث حوله، والذنب كل الذنب في أن كلامه لم يُسمع لدى هؤلاء العوام.

فعند أن نقول: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.

يقال: الشيخ حاقد على الشيخ، أو عنده غيرة منه، أو شيء من هذا! أبداً والله ما هو إلا حب اتباع السنة.

وإذا كنت أدعو إلى اتباع السنة فإن الشيخ الذي يصنع معه هذا إنما يدعو بنفس دعوتي ويكره الذي أكرهه، ويمقته أشد المقت كما أمقته أنا، فلماذا أكون أنا حاسداً هذا الشيخ أو حاقداً عليه؟ والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكره أن يوطأ عقبه.

وعبد الله بن مسعود الإمام الكبير العلم في الصحابة كان إذا فرغ من درسه يوم الخميس وانصرف فرأى أناساً قد تبعوه يتوقف، فيقول لهم: ما حاجتكم؟ فيقضيها، فيفتي في مسألتهم.

فأيهما أولى بالاتباع عبد الله بن مسعود أم من أتى بعد عبد الله بن مسعود؟ هذا الكلام هو منهج السلف.

وقد رأينا في هذا المسجد تقريباً في سنة (١٩٨٨م) أو (١٩٨٩م) على الأكثر أن شيخاً من الشيوخ وداعية من الدعاة المستقيمين على منهج النبي عليه الصلاة والسلام نحسبه كذلك، لما علم بغلو الناس فيه بعد أن فرغ من درسه قال وهو في منبره: أقسمت عليكم بالله العظيم ألا يقوم أحد من مكانه حتى أنصرف خارج المسجد.

قال هذا وجزاه الله خيراً، فقد أقام الحجة على الجميع، ومع هذا كأن هذا اليمين لم يُسمع، فلما ترك الشيخ الميكرفون انكب الناس عليه حتى ملكوا ذراعه.

وهل هذه سنة أم طفولية؟ فنحن لا تزال فينا جاهلية، ولا يزال فينا انحراف، ونحن نحتاج إلى تقويم وتوجيه.