للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصلاة قوام الدين]

قال: [نزل عمر بالجابية في الشام لما ذهب إلى بيت المقدس، قال: فمر بـ معاذ بن جبل وهو في مجلس قال: فقال له يا معاذ! ائتني ولا يأت معك من القوم أحد، قال: فجاءه معاذ، فقال أمير المؤمنين يا معاذ! ما قوام هذا الأمر]، يعني ما هو الشيء الذي يقوم الدين والإسلام به ويعتمدا عليه وإذا انكسر انكسرا معه؟ قال: [قال معاذ: الصلاة، وهي الملة، قال: ثم مه؟ -أي: ما الذي بعد ذلك؟ - قال: ثم الطاعة وسيكون اختلاف]، أي: طاعة العلماء والأمراء.

وقد أخرج أبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله عليه الصلاة والسلام موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)، أي: السمع لأولي العلم، والطاعة لأولي الأمر، أو كلاً منهما لأهل العلم وللأمراء.

قال: (والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي مجدع، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً).

والمخرج من هذا الاختلاف قوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة).

فالنبي صلى الله عليه وسلم شخص الداء ووصف معه الدواء، وهو السمع والطاعة.

فقول معاذ: الخلاف والاختلاف لابد أن يقع، يعني: عدم السمع والطاعة لابد أن يقع.

قال: [فقال عمر: حسبي].

وعمر لم ينكر على معاذ أن قوام الإسلام والدين والإيمان هو الصلاة، بل قال: حسبي، ولو لم يكن لـ عمر من رحلته من المدينة إلى الشام إلا هذه الفائدة من معاذ بن جبل لكفاه.

قال: [فلما ولى عمر -أي ذهب- قال معاذ: ما -ورب معاذ - سأل بشر منهم، قال: فأخبرني أنه سمع عمر يدعو على المنبر: اللهم ثبتنا على أمرك، واعصمنا بحبلك، وارزقنا من فضلك].

فـ عمر يدعو؛ لأن هذه الفتنة ليست بعيدة على أحد.

الناس اليوم يقولون: إن المشايخ والعلماء والدعاة معصومون، وأنهم لا يتأثرون بالفتنة وبالبلاء الذي عم المجتمع في الليل والنهار، ولا يعلمون أن الشيخ معرض للفتنة في كل وقت أكثر من غيره؛ لأن الشيخ معروف وظاهر، فإذا وقعت فتنة من الفتن فالشيخ معرض لأولها وآخرها، وبقية الناس معرضون لآخرها فقط، فلا يتصورن أحد أن الشيخ هو خباب بن الأرت أو معاذ بن جبل أو حذيفة أو عمر أو أبو ذر.

وهذه الفتن تعرض على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأيما قلب أشربها -سواء كان قلب العالم أو الشيخ أو الداعية- نكت في قلبه نكتة سوداء، حتى يصير في القلب ران أسود لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، اللهم سلم.