للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صيام رمضان وقيامه واتباع جنازة المسلم من شعب الإيمان]

قال: [قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) إذاً: صيام رمضان من الإيمان.

قال: [(ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً)]، وقيام رمضان من الإيمان.

قال: [(ومن تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً)]، وتشييع الجنائز من الإيمان، ففي هذا الوقت الناس لا تفعل ذلك من باب الإيمان؛ ولذلك يا إخواني لابد من الإخلاص في هذا العمل.

والواحد منا لما يقرأ في الإخلاص أو يقرأ في سير المخلصين من السلف يوقن بالهلاك، ويتهم نفسه بالنفاق في كل قول وعمل، لأن السلف ما كانوا يصنعون شيئاً إلا بعد أن يحاسبوا أنفسهم قبل العمل، أنا أعمل العمل هذا لله وإلا للناس؟ إذاً: المسألة هذه متعلقة بأداء الواجب، فأنت ترى أن هذا واجب عرفي فلا بد أن تؤديه، فلا تفعله من باب الإيمان، هذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما سمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تبع جنازة من بيتها حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى توارى في قبرها فله قيراطان، والقيراط كجبل أحد، بكى عبد الله بن عمر وقال: والله لقد فرطنا في قراريط كثيرة).

فلو كنت راكباً في سيارة ولست مستعجلاً، ورأيت جنازة ماشية استأذن من السواق، أو إذا كانت سيارتك فأوقفها على جنب، وانزل وشيعها تأخذ قيراطاً، أو إذا صليت عليها أخذت قيراطين، القيراط الواحد كجبل أحد من الثواب والحسنات.

إن عضلة القلب كعضلة الذراع تماماً بتمام، عضلة الذراع لا تتقوى إلا بالمجهود، كذلك عضلة القلب لا يمكن أن تتربى على الإيمان إلا بالعمل، ومن العمل الصالح أن تشيع الجنازة، وأن تقف على القبر حتى يدفن ويوارى هذا الميت، وتبقى بعد المواراة قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه، هذه هي السنة، وليست السنة أن نرميه ثم نجري ونخرج من المقبرة، بل نضعه بمنتهى الشفقة والرفق، لقوله عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسره حياً) يعني: احترام الميت مثل احترام الحي؛ لأن كسر عظم الميت ككسره وهو حي.

ثم تنتظر على شفير القبر مقدار أن يذبح جمل ويسلخ ويوزع لحمه على الفقراء، فهذه المدة نحن مأمورون أن نقف على القبر بمقدارها بعد أن يوارى الميت.

فإنه يسأله منكر ونكير؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اسألوا الله لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل)، فكل إنسان ينشغل بالدعاء للميت، وهذا تقريباً يعتبر من أخريات الحقوق لهذا الرجل على من شيع جنازته، أنهم يقفون معه في الموقف العصيب.

فقد ورد في وصف منكر ونكير ما يدل على أنه لا يصمد أمامهما أحلم الحلماء.

والدعاء الجماعي بدعة، والمسنون أن يتقدم أحد الوعاظ بموعظة، يذكر الناس فيها بالله في هذا الموطن الذي جرحت فيه القلوب، وتعلقت بربها، فإن فعل كان ذلك حسناً، أما الدعاء فكل يدعو بنفسه، ولو كان الدعاء جماعياً في هذا الموطن مشروعاً لدعا النبي عليه الصلاة والسلام وأمر أصحابه، ولكنه أمرهم جميعاً أن يدعو كل واحد بما تيسر له، والدعاء عبادة لقوله عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة)، فإذا كان الدعاء عبادة فلا تحرم نفسك من العبادة في هذا الموطن.

أما رواية: (الدعاء مخ العبادة)، فهي رواية ضعيفة.

قال: (من تبع جنازة مسلم) إذاً: القيد هنا بأنها جنازة مسلم، فلا تتبع جنازة كافر، وليس للتابع فيها أجر، فالكافر يلقى، وهذا إجماع أهل العلم أنه لا يستحب دفن الكافر إلا إذا خيف التأذي به بعد الموت؛ لأن الكفار لا يكرمون أحياء ولا أمواتاً، فدفن الميت من أعظم إكرام الميت، وغير المسلم إذا مات الأصل فيه أنه لا يوارى ولا يقبر ولا يدفن ولا يصلى عليه، وغير ذلك مما يترتب للمسلم، فالذي يفعل ذلك من المسلمين هذا من خيبة الأمل، لما يموت نصراني أو نصرانية، فإذا نظرت ستجد أن معظم المعزين مسلمون، ومع ذلك فإنهم قد ابتدعوا أيضاً، فالنصارى يقلدون المسلمين فيأتون بقسيس يعظ، يعني: إبليس يتكلم ويعظ الناس، وتجد المسلمين وهم جلوس، ويضعون أيديهم على جيوبهم، فهم متأثرون ومتجاوبون مع القسيس.