للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التعرف على الله تعالى والإيمان به قبل تعلم القرآن]

قال: [يقول جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة -يعني: أشداء- فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن بعد فازددنا إيماناً)، وهذا نص عظيم جداً، أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن.

وهذا يدل على وجوب التعرف على الله عز وجل أولاً قبل دراسة العلم، أو قبل القرآن الكريم؛ ولذلك الذي كان يأتي من أهل الشرك والكفر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام كان يشهد الشهادتين بين يديه ويدخل في الإيمان، ثم بعد ذلك يتعلم الآيات القليلات من كتاب الله عز وجل فيزداد بها إيماناً.

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (ما كنا نجاوز العشر آيات من كتاب الله عز وجل حتى نتعلم ما فيها من حلال وحرام وأحكام وإيمان وغير ذلك، فإذا حفظنا ذلك وعملنا به حفظنا غيرها) أي: غير هذه العشر الآيات، كل هذا بعد أن اكتسبوا الإيمان بسبب صحبتهم للنبي عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه إثبات أن الإيمان يزيد وينقص؛ ولذلك لا يمكن قط أن يستوي إيمان عبد يحفظ كتاب الله عز وجل مع عبد لا يحفظ كتاب الله، لقول جندب وعبد الله بن عمر: ثم نتعلم كتاب الله فنزداد به إيماناً، وهذا يدل على أن من درس كتاب الله لا بد وأن يزداد به إيماناً، بخلاف العبد الذي لم يدرس كتاب الله عز وجل.

قال: [وقال عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه -أمير مصر-: إن الرجل يتفضل بالإيمان كما يتفضل ثوب المرأة]، يعني: يزداد في إيمانه حتى يفضل عنه، يقصد أن الإيمان يزيد زيادة ملحوظة حتى يشمل ويعم جميع صاحبه ويزيد عنه، كما أن ثوب المرأة ينبغي أن يكون ساتراً وزائداً، كما في حديث أم سلمة لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إزرة المؤمن إلى منتصف الساق، فإن أبى ففوق الكعبين، فقالت أم سلمة: وإزرة النساء يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: إلى الأرض -يعني: أن يبلغ ثوبها الأرض- قالت: يا رسول الله! إذاً ينكشفن) المرأة لما يكون ثوبها إلى الأرض ثم تركع أو تسجد ممكن تنكشف، فـ أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (إذاً ينكشفن يا رسول الله! قال: تزيد شبراً -وفي رواية- ترخي أو يرخين شبراً، قالت: إذاً ينكشفن يا رسول الله! قال: يرخين ذراعاً ولا يزدن عليه) معذرة في سياق الرواية أنا أتيت بها بالمعنى ولذلك زدت فيها.

لما كانت أم سلمة تسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن ثوبها قال: (يرخين شبراً) لم يقل إلى الأرض، وإنما قال: يرخين شبراً تحت الكعب، فقالت: (إذاً ينكشفن) قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يرخين ذراعاً لا يزدن عليه) يعني: لا يجوز أن تطيلي بعد هذا، هذا آخر حد المرأة، المرأة التي ترخي شبراً أو ذراعاً من ثوبها بعد كعبها لا شك أنه يجرجر خلفها، ويفيض على الأرض، فكذلك الإيمان يتفضل في العبد كما يتفضل ثوب المرأة، يعني: يزيد ويكون زائداً كما يزيد ثوب المرأة عن عادته.