للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان والإسلام بين أهل السنة والمرجئة والجهمية]

درسنا كله متعلق بالإيمان، ولكن يعكر على ذلك تعريف المرجئة والجهمية للإيمان؛ لأن المرجئة والجهمية إنما يعرفونه بمطلق الإيمان لا الإيمان المطلق، وهناك فرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان.

وقلنا: إن مطلق الإيمان هو أصل الإيمان، وهي القاعدة التي لا يمكن أن تنزل ولا يتصور نزولها إلا إلى الكفر، وهو التصديق عند المرجئة والتلفظ عند الجهمية هذا تعريف مطلق الإيمان عند الجهمية والمرجئة.

أما الإيمان عند أهل السنة فإنما يعني الإيمان المطلق الكامل، فالاستثناء في درسنا هذا متعلق عند أهل السنة بالإيمان المطلق، أما عند المرجئة والجهمية فإنه متعلق بمطلق الإيمان.

وأنت لا يسعك إلا ما وسع السلف بصرف النظر عنهم، سواء كان سائلك جاهلاً أو عالماً: هل أنت مؤمن؟ قل: نعم أنا مؤمن إن شاء الله.

وحديث سعد بن أبي وقاص في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أناساً ولم يعط آخرين، فقال: يا رسول الله! أعطيت فلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن قال: أو مسلم؟ قال: بل مؤمن يا رسول الله! قال: أو مسلم؟ ثلاث مرات)، والمعلوم أن المسلم إن وقف عند حد الإسلام فمعه مطلق الإيمان، ومع هذا تغاضى النبي صلى الله عليه وسلم عن مطلق الإيمان، لأن القصد في الإيمان: الإيمان المطلق، وحينما قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} [الحجرات:١٤]، والأعراب مسلمون، والمسلم معه أصل الإيمان وهو يسعه أن يدخل الإسلام بهذا الأصل، ومع هذا نفى الله تبارك وتعالى عنهم الإيمان {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات:١٤] هل النفي هنا يشمل أصل الإيمان أم الكمال؟ إذاً: يجوز أن أنفي الإيمان عن المرء ولكن هذا النفي ينصب على الإيمان الكامل التام، ويبقى معه أصل الإيمان؛ لأن الله تعالى نفى ذلك عن الأعراب، مع أنه لا يسعهم إلا المحافظة على أصل الإيمان، ومع هذا قال لهم: {لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ} [الحجرات:١٤]، يدخل هنا بمعنى يزداد {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] أي: حينما يزداد الإيمان في قلوبكم، و (لما) التي تفيد نفي الحصول في الماضي ولا تفيد نفيه في المستقبل، أي: أنه سيكون عندكم الإيمان الكامل في المستقبل، فالواحد حينما يسأل: هل أنت مؤمن؟ وهو يعلم أنه مؤمن وأنا أعرف أنه مؤمن، لأن هذا لا يسعنا أن ننزل عنه، وهو مطلق الإيمان، لأن المؤمن بغير هذا اليقين لا يصح منه حتى الإسلام، لكن النزاع في مطلق الإيمان، ولذلك فإن الذين يخالفون أهل السنة هم الجهمية والمرجئة، لأن الإيمان عندهم لا علاقة له بالزيادة ولا بالنقصان، إذاً: فالكلام كله متعلق بالإيمان الكامل.

قال: [وقال حماد بن زيد قال: سمعت هشاماً وهو ابن حسان الأزدي يقول: كان الحسن ومحمد يقولان: مسلم، ويهابان مؤمن].

إذاً: الحسن البصري قد حقق كمال الإيمان، وكذلك محمد بن سيرين، وهما من المنزلة بمكان في قلوب كل الموحدين، لكن لا نستطيع أن نقطع لهما بالجنة، فالجنة ليست ملكاً لأحد، فالذي يجعلك تقطع لفلاناً بالجنة يجعلك تقطع لفلان بالنار، فهل هذا شأنك؟ ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.

قال: [وقال محمد بن سيرين: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق].

كمن يقول لك: في أي جماعة أنت؟ فقل: أنا مسلم.

أو يقول لك: كل الناس هؤلاء مسلمون، ولكن من أي جماعة أنت؟ فقل: ولكني أنا مسلم، على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى منهج السلف الصالح، وعلى ما فهمه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

فاختصر هذا وقل: أنا سلفي.

فحينما تقول: أنا سلفي، فعندها أنا سأعرف كيف تفكر.

لأن المصطلح هذا يتناول عدة عناوين ورءوس أقلام ومعتقدات وقواعد، وسأفهم أنك على كل هذه الأصول والقواعد بكلمة واحدة وهي كلمة: سلفي، كما يقول آخر: أنا كذا.

فنكون بهذه الكلمة الواحدة قد عرفنا منهجه كاملاً.

والسلف كانوا يقولون للذي يسألهم عن الإيمان بأنهم قد آمنوا بالله وكتبه ورسله وما أُنزل على نبينا وعلى الأنبياء السابقين وهذا كلام جميل جداً، لأن هذا ليس سؤال عبد، فأنت حينما تقول: أنا مؤمن فتكون قد زكيت نفسك على ربك، فالمسألة متعلقة بالله عز وجل وليست متعلقة بالسائل.

قال: [قال أبو أسامة: قال لي الثوري وأنا وهو في بيته مالنا ثالث ثلاثة: نحن مؤمنون والناس عندنا مؤمنون، ولم يكن هذا أفعال من مضى].

كأن الإمام الثوري يقول له: نحن مؤمنون والناس الذين عندنا أيضاً مؤمنون، لكن لا بد أن تعرف أن هذا ليس نهج سلفنا، إنما نهج سلفنا أنهم لا يقولون نحن مؤمنون إلا أن يستثنوا، و