للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة في اللفظ المجرد واللفظ المطلق وتطبيقها في مسألة الصفات]

اللفظ المجرد دائماً يراد به المعنى المطلق المتبادر إلى الأذهان، بخلاف ما لو قيد هذا اللفظ المطلق، فإذا قلت: يد، تبادر إلى ذهن المستمع يد الإنسان، ولكنه لا يتصور أنها يد محمد أو يد إبراهيم أو يد زيد أو يد عمرو؛ لأن هذه الكلمة مفردة مطلقة غير مقيدة، ولكن لو قلت: يد الله فقد أضفت اليد لله عز وجل، وعند إطلاق هذه اليد مقيدة ومضافة لله عز وجل لا يمكن قط أن يخطر ببال وعقل إنسان تصور ولا تمثل لهذه اليد؛ لأنها يد الإله تبارك وتعالى، وكما خفيت ذاته تبارك وتعالى عن أفهام خلقه فكذلك لابد أن تخفى صفاته عن أفهام خلقه، وإذا قلنا: يد محمد تصورنا يد محمد، ولو قلنا: ضرب عمرو زيداً بيده لم نجد عناء في تصور اليد وتصور الضرب، لأن يد عمرو يد مخلوقة يستوي معها كثير من أيدي المخلوقين، وأما لو قلت: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] فهذا فيه إضافة اليد لله عز وجل، ولا يمكن أن نتصور يد الله عز وجل، ولكن هناك قدر مشترك، فإن لله يداً ولمحمد يداً، فالقدر المشترك أن لكل منهما يداً، ولكن عند الإضافة لابد أن تختلف يد الله عن يد محمد، ولذلك لو قلنا: يد فقط لشردت الأذهان إلى تصور اليد وتمثيلها وتكييفها، ولو أضفنا هذه اليد إلى الله فإن الأذهان تتوقف تماماً ولا تخوض في الكيفية، ويحرم عليها التصوير والتمثيل، ولابد أن نثبت أن ليد الله تبارك وتعالى صورة لا يعلمها إلا الله، أما يد محمد فأنا أتصورها وأكيفها وأمثلها وأصورها، فالصورة في اللغة هي الذات المتصفة بالصفات.

والحق تبارك وتعالى له ذات وله صفات، وآدم له ذات وله صفات، واللغة عند تجردها تكون عامة في الاستخدام بين الله وبين الخلق، مثلما لو قلت: عين مطلقة ومجردة ومفردة، فهي في اللغة تعني: العين الباصرة التي يبصر بها المرء، وتعني: الفهم أحياناً، وتعني: الجاسوس والمخبر، وتعني: العين التي ينبع منها الماء، فكل هذه يطلق عليها عين عند التجرد، وأما لو أضفت هذه الكلمة فقلت: عين محمد فيكون المقصود بالعين هنا عين محمد، ولو قلت: عين الله كما في قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]، فالضمير في (عيني) يعود على عين الله، ولا يستطيع أحد أن يصف عين الله؛ لأنه لا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل.

فاللغة عند تجردها عامة الاستخدام بين الله وبين الخلق.

فلما قال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته) أي: في القدر المشترك؛ لأن هذه الألفاظ متجردة عن الإضافة، وصورة آدم بينها وبين الحق تبارك وتعالى ما دل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

وصفة اليد عند التجرد صالحة للاستخدام في حق الله وحق آدم، ولكنها لو أضيفت إلى الله فليست هي يد آدم، ولو أضيفت إلى آدم فليست هي يد الله.