للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل)

ثم قال سبحانه: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:٩٣].

إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أبو الأنبياء، وقد رزقه الله بعدما كبر ذرية، نص الله على اثنين من هذه الذرية، وهما الأكبران الأجلان إسماعيل وإسحاق.

فإسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة، ومن إسماعيل جاء نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن إسحاق جاء يعقوب، إلا أن يعقوب كان -في الأظهر- توأماً لأخ له يقال له: العيص، فلما ولدتهما أمهما -على ما يقول جمهرة المؤرخين- ولدت العيص أولاً ثم أعقبه يعقوب، فسمي يعقوب لأنه جاء عقب أخيه.

فـ العيص أكبر من يعقوب، وكان العيص محبباً إلى إسحاق أكثر من يعقوب، وكان يعقوب محبباً إلى أمه أكثر من العيص.

فيعقوب بعدما كبر بفترة قابله ملك، وهذا الملك هو الذي سمى يعقوب إسرائيل، ومعنى (إسرائيل): عابد الرب، ككلمة عبد الله أو نحوها.

فيعقوب له اسمان: يعقوب الاسم الذي سماه به أبوه، والاسم الآخر: إسرائيل، وبهما جاء القرآن، قال الله عز وجل: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [الصافات:١١٢] أي: إبراهيم {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:٧١].

وقال الله جل وعلا: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:٩٣].

ومن إسرائيل جاء بنو إسرائيل الذين من هم اليهود، ومن ذرية إسماعيل جاء العرب العاربة، فمن ذرية العيص جاء الروم الذين هم الأوربيون والأمريكيون اليوم.

فالأمريكيون والأوربيون واليهود والعرب أبوهم كلهم إبراهيم.

فصار الثلاثة كلهم يفيئون إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، إلا أن إسحاق وإسماعيل كانا نبيين بنص القرآن، وكذلك يعقوب, وأما العيص فلم يكن نبياً، بل كان محبباً إلى والده، فدعا له -كما يقولون- بأن يملكه الله غلاظ الأرض وأن يرزقه من الثمرات، وهذا حاصل, فكل من يرى ما هم فيه من الثمرات يذكر دعوة إسحاق لابنه العيص.

والذي يعنينا أنه من ذرية إسحاق جاء يعقوب الذي اسمه إسرائيل، فعندما يقال: بنو إسرائيل فإنهم ينسبون إلى جدهم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.

ويقال: إن يعقوب اختصم مع أخيه العيص، فخرج بعد أن اختصم مع أخيه ولم يكن له ذرية، ثم رزقه الله الذرية، ولما رزقه الله الذرية بارك له في تلك الذرية حتى حصل ما حصل من قصة نبي الله يوسف، ولم يكن يوسف وحيداً ليعقوب، بل كان له جملة إخوة، ثم تاب الله على إخوة يوسف.

والصحيح أن إخوة يوسف هم الأسباط، فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، قال الله جل وعلا: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف:١٦٠] أي: قبائل متفرقة كلهم يفيئون إلى الأسباط الاثني عشر الذين هم ذرية إسرائيل.

ومن هذه الذرية جاء أنبياء لا يعدون ولا يحصون، فمنهم أيوب، واليسع، وذو الكفل، وسليمان، وداود، ومن بعدهم إلى موسى عليه الصلاة والسلام، فبين موسى وإسرائيل نفسه أمم لا تعد ولا تحصى، وفترة زمنية طويلة.

وموسى عليه الصلاة والسلام هو الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر بعد أن سكنوا أرض مصر عندما جاء يعقوب إلى ابنه يوسف، كما قال تعالى: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:١٠٠].

فهناك مسافة زمنية طويلة بين إسرائيل وبين موسى، والتوراة أنزلت على موسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>