للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قل صدق الله)]

قال الله بعدها: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥].

وهنا يرد سؤال، وهو لماذا قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥] وكان المفروض أن يقول: (صدق الله)؟ بغير (قل)، وكذلك {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١] لماذا لم يقرأها (يا أيها الكافرون)؟ وكذلك {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] لم يقرأها (هو الله أحد)، فهذا سؤال يرد -بلا شك- على الذهن، والجواب أن هذا فيه بيان عظيم لبشرية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يأتي بشيء من عنده، بل هو مجرد مبلغ.

ومثال ذلك -ولله المثل الأعلى- أن يبعث شخص ولداً له إلى قوم لدعوتهم إلى طعام الغداء، فأيهما أوقع في نفس المدعو: أن يأتي هذا فيقول: تفضلوا إلى الغداء، أو أن يقول: يقول والدي: تفضلوا إلى الغداء؟! إنه لا شك في أن الصفة الثانية أبلغ؛ إذ بها يعرف أن هذا الابن ليس له إلا البلاغ، وقد بلغ كما أمر.

فعندما يقول الله جل وعلا: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥] وينقلها النبي صلى الله عليه وسلم ففي ذلك بيان أن النبي بشر لا علاقة له بالأمر والنهي، الأمر والنهي والبلاغ من عند الله، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ وبشير ونذير لقوم يؤمنون.

وقوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥] تُبنى على خصوص وعموم، فيبنى على خصوص كما هو هنا، أي: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥] في قوله {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:٩٣].

ويبنى على العموم في أن الله صادق في كل ما يقول، ولذلك كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا حدث يقول في الغالب: أخبرني الصادق المصدوق.

أو يقول: سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين في حديث خلق النطفة والعلقة، فقوله صادق، وهو مصدوق فيما يقال له, فالنبي عليه الصلاة والسلام صادق فيما يقول, مصدوق فيما يقول له ربه.

ولما بعث عليه الصلاة والسلام علياً ومن معه من الصحابة إلى روضة خاخ للإتيان بالخطاب الذي بعثه حاطب بن أبي بلتعة مع المرأة لتبعث به إلى كفار مكة، قال: (ائتوا روضة خاخ، فستجدون فيها ضعينة معها كتاب من حاطب إلى قريش، ائتوني بالكتا).

فلما ذهب علي رضي الله عنه وقبض على المرأة أنكرت، فقال علي: والله ما كذبنا ولا كُذِّبنا.

يعني: نحن ما افترينا على الرسول بأنَّه قال هذا الكلام، والرسول لا يمكن أن يكذب علينا ويقول لنا: إن معك كتاباً وليس معك كتاب.

قال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} [آل عمران:٩٥] فلما ظهر الصدق لم يبق إلا الاتباع، فقال الله جل وعلا: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران:٩٥]، والخطاب لليهود على وجه الخصوص، ولكل من يقرأ القرآن ويصله البلاغ على وجه العموم.

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٩٥] عائد على إبراهيم.

وقد قلنا في سياق سابق: إن الله جل وعلا نزه إبراهيم عن كل إثم؛ لأن كل الأمم ادعت أن إبراهيم منها وانتسبت إليه، ولذلك قال الله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٦٧] كما جاء هنا: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:٩٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>