للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفارق بين الأنبياء والمصلحين]

وفي الآيات التي بين أيدينا يتكلم الله جل وعلا عن جملة من أنبياء الله ورسله ممن اصطفاهم الله، وكل المذكورين في هذه الآية هم رسل وليسوا أنبياء فقط، أي: بعثوا إلى أقوام ودعوا إلى الله جل وعلا بشرع جديد، فهؤلاء الرسل أوحى الله جل وعلا إليهم، فقال سبحانه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:١٦٣]، والوحي هو الفارق الأعظم بين الأنبياء وبين المصلحين من البشر، فنحن نعترف بأن البشرية شهدت علماء ومصلحين وقادة عبر تاريخها الطويل في كل الأمم، ولكن هؤلاء القادة والمصلحين والأئمة في أي ملة لن يسلموا من خطأ؛ لأنهم غير موحى إليهم وليسوا بمعصومين.

وأما أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فإن الوحي كفل لهم العصمة فهذا هو الفارق العظيم بين أنبياء الله ورسله وبين من شهدتهم البشرية عبر تاريخها الطويل، فنحن نسمع بـ سقراط وأرسطو، وأفلاطون في الحضارة اليونانية وغيرهم، وكان كثير منهم ذوي عقول وحكمة، فأسسوا حضارة، ولكنها لم تسلم -ولن تسلم- من زلل ما دامت جهداً بشرياً، أما جهد أنبياء الله ورسله فهو فرقان ووحي ينزل من الله لا يقبل أنصاف الحلول لأنه من لدن حكيم خبير.

قال الله جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

والآن نأتي لذكر الأنبياء، وسنقف على مجمل سيرتهم عبر ما ذكره الله جل وعلا، فمنهم من مر معنا في دروس سابقة، فلا حاجة إلى التكرار، ومن لم يمر معنا سنقف عنده لنتبين بعض سيرة حياته وكيف نقتدي به، مع البيان الشافي في أنهم جملة بعثوا بدين واحد، وهذه أهم قضية، ولذلك قال الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>