للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر مكانة إبراهيم عليه السلام]

الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين وإله الآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصراً وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأناً وذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الآيات التي سنقف عندها هي قول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام:٤٧ - ٧٥]، إلى ما بعدها من آيات، ثم ننتقل إلى قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} [الأنعام:٩٣].

فنقول مستعينين بالله عز وجل: إنه لما كانت سورة الأنعام تتكلم عن عن عقيدة التوحيد التي بها بعث الله الرسل ومن أجلها أنزل الكتب ذكر الله جل وعلا في هذه السورة إمام الموحدين خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

فإبراهيم عليه الصلاة والسلام أبو الأنبياء وشيخ الحنفاء، نسب الله جل وعلا الملة إليه في كتابه فقال الله جل وعلا: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨]، وهذا النبي الكريم يذكر كثيراً الثناء والمدح عليه من الله جل وعلا، وهو أهل لكل مدح، فهو أرفع الأنبياء قدراً بعد نبينا صلى الله عليه وسلم.

ومع اتفاق المسلمين على أن إبراهيم بعد نبينا عليه الصلاة والسلام، وعلى أن نبينا صلى الله عليه وسلم أرفع العباد قدراً؛ مع ذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما دخل مكة عام الفتح أمر بأن يخرج ما في الكعبة من صور، فكان مما أخرج صورة فيها إبراهيم وهو يستقسم بالأزلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتلهم الله -يقصد كفار قريش- قاتلهم الله، والله لقد علموا ما استقسم شيخنا بها قط).

وموضع الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى إبراهيم شيخه، ولم يسم النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من الأنبياء بأنه شيخه إلا إبراهيم، وهذه المسألة يجب أن تحفظ وتحرر، فهي من فرائد العلم الذي يستبينه طالب العلم لنفسه، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا النبي الصالح شيخه، مع الاتفاق على أن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من إبراهيم.

وفي ليلة المعراج لما عرج به صلى الله عليه وسلم قابله إخوانه من النبيين، فلما مر على إبراهيم قال إبراهيم لنبينا: (السلام عليك أيها النبي الصالح والابن الصالح)؛ لأن الله جل وعلا جعل كل نبي بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم، قال العلماء: ما أنزل كتاب بعد إبراهيم من السماء على نبي من الأنبياء إلا وذلك النبي من ذرية إبراهيم، وسيأتي بيان هذا إن شاء الله تعالى.

والمقصود أن هذا هو جملة ما يمكن أن يقال عن إمام الحنفاء أبينا إبراهيم عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>