للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان جملة مما دلت عليه الآية]

وقد دلت الآية على أمور: أولاً: حصر أصحاب الزكاة الثمانية.

الأمر الثاني: أن الله جل وعلا تولى تقسيم الزكاة، والله قد خلق النفوس، وهو جل وعلا أعلم بحبها للمال، قال تبارك وتعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:٢٠]، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:٨] والخير هنا بمعنى المال، فالمواريث والزكاة حقوق مالية تتعلق بها أنفس الناس، فلم يكل الله تقسيمها إلى أحد، وإنما تولى الرب جل وعلا مصارفها وتقسيمها، قال الله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١]، وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:١٢]، فقسم تبارك وتعالى المواريث، وحدد أصناف الزكاة، وجاءت السنة ففصلت ما أجمله القرآن، كل ذلك حتى لا يبقى لأحد مشاحة في حق أحد، ولا يبقى تطلع إلى شيء أكثر مما هو مذكور في القرآن، فعلم الله جل وعلا -وهو أعلم بخلقه- تطلع النفوس إلى الأموال، فحسم الرب تبارك وتعالى تعلق العباد بها فقال جل وعلا: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)) والمذكورون هنا هم الأصناف الثمانية كما هو ظاهر الآية، وقرن الله جل وعلا بين كل صنف وصنف بواو العطف.

وذكر الله جل وعلا أربعة منها باللام، وأربعة بحرف الجر (في)، فقال: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) فهؤلاء مذكورون باللام، وقال: (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ) ثم أعاد العطف فقال تعالى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ).

ومجمل ما يراد قوله هنا أن اللام تعني التمليك، فيملك الفقير ويملك المسكين ويملك العامل ويملك المؤلف المال، ولا يقال للواحد منهم: نشترط عليك أن تضعه في كذا أو تضعه في كذا، وإنما تعطي الفقير أو المسكين أو العامل أو المؤلف في يده فيقبضه فيدخل في ملكه، وهو حر في أن يفعل به ما يشاء.

أما قول ربنا: (في الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فمعناه أنه لا يشترط أن تعطي المال لهم، فمن كان غارماً فإنه يعطي المال للدائن.

ومعنى (وفي الرقاب) أي: العتق كما سيأتي، فيعطى لصاحب الرقبة حتى يعتقها، أو للمكاتب حتى يسدد دين الكتابة كما سيأتي.

فالفرق بين اللام و (في) يختلف اختلافاً جذرياً كما بينا.

وقد ذكر الله الأهم فالأهم؛ والواو لا تفيد الترتيب، ولكن دلت السنة عموماً على أن هناك خصائص في التقديم، فالنبي عليه الصلاة والسلام صعد الصفا وقال: (أبدأ بما بدأ الله به: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨])، فقدم الصفا لأن الله قدمها في كتابه، وإلا فالأصل أن الواو في لغة العرب لا تعني الترتيب، ولكن تقديم الله جل وعلا يدل في الغالب على تقديم الأهم فالأهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>