للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تأملات في قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها)]

خاتمة الآيات قول الله جل وعلا: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد:١٧].

نقول: ضرب المثل أسلوب قرآني ثابت، وله عدة أغراض: فمنها: الترغيب، ومنه قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:٢٤].

وقد يكون المراد به التنفير، كقول الله جل وعلا بعدها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:٢٦].

وقد يكون ضرب المثل للمدح، وهذا كقول الله جل وعلا في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح:٢٩].

فهذا كله ضرب مثل أراد الله به مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد يكون ضرب المثل تبييناً للحق كما في هذه الآية، فالله يخبر هنا بأنه أنزل من السماء ماء المطر فقال سبحانه: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:١٧]، أي: أن الأودية تختلف، وكل واد يحمل من الماء على قدره.

وهذا المثل معناه أن السيل عندما يأتي يعلوه ما يحمله من قطع الأخشاب والأشجار، فيبيض كأنه زبد، والماء الحقيقي الذي ينتفع به الناس تحت الزبد، يمشي بسكينة وهدوء، ويغيض في الأرض، وينفع الناس؛ لأنه باق في الأرض، أما هذا العالي المتراكم المرتفع فإنه يذهب ميمنة وميسرة، ويذهب جفاء لا ينتفع به أحد.

وكذلك المعادن إذا أخرجت من الأرض تخرج مخلوطة، فيضعها صاحبها على النار، فإذا وضعها على النار يعلو ما كان ملتصقاً بها، ثم لا يلبث أن يتلاشى ويبقى صريح المعدن من ذهب أو فضة أو جوهر أو غيره.

فالله جل وعلا يخبر أن غالب الأمور التي تراها مرتفعة عالية ذات لجج وصوت أغلبها باطل لا خير فيه، وإنما الحق يمشي بهدوء وثبات وسكينة ويقين؛ لأنه يعلم أنه سيصل إلى منتهاه، فقال الله جل وعلا: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد:١٧]، فضرب الله الأمثال حتى تستبين للناس طرائق الهدى ومعالم الحق بكرة وأصيلاً.

هذا ما أردنا بيانه حول سورة الرعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>