للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان معنى قوله تعالى (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا)]

قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:٢] (أن) هنا في أصح أقوال النحويين مفسرة لما قبلها.

وقوله تعالى: ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا)) هو توحيد الإلهية، وقوله تعالى: ((فَاتَّقُونِ)) دعوة إلى توحيد الإلهية، والفرق بينهما أن الأول به عرف الله تبارك وتعالى وكلمة (رب) تفيد توحيد الربوبية، وأما كلمة (إله) فتفيد توحيد الإلهية.

وقد قلنا: إن موسى قدم يبحث عن جذوة من النار، والله يربي عباده على التوحيدي، فلما قدم موسى ليلتمس جذوة من النار وهو لا يدري أنه نبي ولا أنه الذي سيصبح كليم الله أو صفيه جاء خائفاً يرقب هذه النار، فالله جل وعلا قبل أن يملي عليه توحيد الإلهية -وهو مطلب الرب جل وعلا من خلقه- قال له: يا موسى {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:١٢]، فأشعره بالطمأنينة قبل أن يطلب منه أي طلب؛ لأن قوله: (أنا ربك)، مثاله كما يقول لك أبوك وأنت تائه: أنا أبوك، أو يقول لك: أنا أخوك الأكبر، أنا رئيسك، أنا مديرك، أنا أميرك، حتى تشعر بالطمأنينة.

فقال له ربه جل وعلا: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:١٢]، فشعر موسى بالطمأنينة؛ لأنه لا يوجد تكليف.

ولما شعر موسى بالطمأنينة طلب منه الله جل وعلا أن يعبده، فقال الله جل وعلا: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه:١٢ - ١٣] ثم علمه توحيد الإلهية فقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:١٤] بعد أن مهد بتوحيد الربوبية.

فهنا ذكر الله جل وعلا توحيد الإلهية بالطريقين فقال: {أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [النحل:٢]؛ لأن العرب لم تنكر توحيد الربوبية، فقال الله جل وعلا: {أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل:٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>