للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر ما جاء عن رسول الله من مشيبه بهود وأخواتها]

ومما جاء في الآثار عن هذه السورة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (شيبتني هود وأخواتها) وهذا إجمال، وجاء ذلك مفصلاً في رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (شيبتني هود والمرسلات والواقعة و (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)).

والجامع بين هذه السور هو كونها تتحدث عن اليوم الآخر وأهواله وما يكون فيه، والله جل وعلا ذكر ذلك صراحة في كتابه العظيم، حيث قال الله جل وعلا في سورة المزمل: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل:١٧].

والمقصود أن ما أجمله قوله عليه الصلاة والسلام: (شيبتني هود وأخواتها) قد جاء مفصلاً عند الطبراني بسند صحيح وفي رواية الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس باللفظ المذكور.

والناس يختلفون في السبب الذي يدفعهم إلى أن يشيبوا باعتبار تعلق قلوبهم، فمن الناس من يشيبه التعليم، ومن الناس من يشيبه العقار، ومن الناس من تشيبه التجارة، ومن الناس من يشيبه تربية الصبيان، ومن الناس من يشيبه الهم، وغير ذلك، وهذا ظاهر في الناس، ولا غرابة فيه، ولا ننكره، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان قلبه معلقا بالله، وكان يخشى الله واليوم الآخر ويخاف ربه ويهابه؛ جاء تعلق شيبه صلوات الله وسلامه عليه بهود وأخواتها، أي: باليوم الآخر، ولا يعني هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان كثير الشيب، وإنما مرد ذلك إلى العرف، وقد مات النبي عليه الصلاة والسلام ولا يحصى من الشيب فيه أكثر من عشرين شعرة، وأكثر شيبه كان في أسفل شفته السفلى وفي أعلى عارضيه عن اليمين وعن الشمال، أما في لحيته فكان الشيب قليلاً جداً في شعيرات يمكن عدها، وكذلك شعر رأسه صلوات الله وسلامه عليه.

والسنة في الشيب إذا ظهر وكثر وأصبح غالباً على السواد إن يُغَيَّر، إما بالكتم وإما بالحناء، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة جاءه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بأبيه أبو قحافة، ومن مناقب أبي بكر رضي الله تعالى عنه أن أبويه أدركا الإسلام، وهذه مزية لم تكن لأحد من كبار الصحابة الذين دخلوا في الإسلام معمَّّّّّرين، كـ أبي بكر؛ فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أسلم وسنه ثمانية وثلاثون عاماً، فأدرك أبواه الإسلام.

فـ أبو قحافة أسلم يوم فتح مكة، فجاء به أبو بكر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأبو قحافة يوم ذاك ابن قرابة الثمانين، فجاء به وقد أصبح شعره كالثغامة، والثغامة نوع من النبت أبيض الزهرة وأبيض الثمرة، فجاء به وقد بيض شعر رأسه، وبيض شعر لحيته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يغير شعر رأسه وشعر لحيته، وقال في آخر الحديث: (وجنبوه السواد).

وزيادة: (وجنبوه السواد) اختلف العلماء فيها، هل هي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو هي مدرجه من قول الصحابي؟ ومعلوم أن الإدراج يكون: إدراج إسناد، أو إدراج متن.

والمشهور عن بعض العلماء أنها من إدراج المتن، وقال بعضهم: إنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا موضع التفصيل فيها، والذي يعنينا أن نغيره بالحناء والكتم خروجاً، من خلاف العلماء، وهو أولى.

فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (شيبتني هود وأخواتها).

<<  <  ج: ص:  >  >>