للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إلزام أمة محمد باتباع ملة إبراهيم]

نقف هنا وقفة يسيرة: إن كل ما في القرآن مما حكاه الله جل وعلا أو قصه عن إبراهيم، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ملزمة شرعاً به، وهذه الحالة لا تكون إلا مع إبراهيم اتفاقاً، والدليل على هذا: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل:١٢٣]، وقوله جل وعلا: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨]، والمعنى: الزموا ملة أبيكم إبراهيم، وهذا من الدلائل على أن هذه الأمة مطالبة شرعاً بقضية بما أوحي إلى إبراهيم، ولذلك لما استغفر إبراهيم لأبيه جاء النهي مستثنى: أن لا تفعل.

ولا يكون الاستثناء إلا في شيء الأصل فيه أن يفعل.

فمثلاً عندما تأتي لشخص تسلمه بيتاً، فتقول له: إلا هذه الغرفة لا تدخلها.

معنى الكلام: أن كل البيت مباح له، فلذلك قال الله جل وعلا في قضية استغفار إبراهيم لأبيه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة:١١٤]، فهذه ليس لنا علاقة بها، لا نتبعه فيها.

هذا الفائدة الأولى.

الأمر الثاني: عند قول الله جل وعلا عن سارة: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:٧١].

الضحك إذا أطلق يراد به انفراج الفم عن الأسنان، وهذا هو الضحك المعروف الذي لا يختلف عليه اثنان.

موضع الإشكال: أن بعض العلماء كما نقل عن مجاهد وعكرمة وبعض السلف، قالوا: ضحكت هنا بمعنى: حاضت، وأن الحيض من الدلائل على أن المرأة إذا حاضت تكون عرضة لأن تحمل، فقالوا: إن المقصود: حاضت، وهذا وإن قال به أئمة أجلاء، لكن لا يوجد في اللغة -فيما نعلم- شيء يدل عليه، وحكيت بعض الأبيات ذكرها بعض العلماء في مواطنها في التفسير، لكن أئمة اللغة كـ أبي عبيدة والفراء وغيرهما من أئمة اللغة قديماً قالوا: إنا لا نعرف في لغة العرب أن ضحكت تأتي بمعنى: حاضت، وإن نسب هذا أحياناً للشافعي، ونحن نحتج بقول الشافعي في اللغة؛ لأن الشافعي أصلاً عاش في هذيل كثيراً وأخذ عنهم اللغة، فيبقى قوله في اللغويات له مكانته العلمية؛ لكننا نقول: لا يوجد في اللغة ما يدل على أن ضحكت بمعنى: حاضت.

فالمعنى -والله تعالى أعلم- الذي اختاره كثير من المفسرين: إن سارة كانت واقفة بالخدمة مع زوجها، فلما علمت بهلاك قوم لوط سرت وفرحت وضحكت، والأصل أن البشارة حاصلة، لكن جعلت الضحكات تمهيداً لها، فلما سرت بنجاة لوط ومن معه من المؤمنين، بشرها الله جل وعلا بإسحاق، قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:٧١].

<<  <  ج: ص:  >  >>