للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الإيمان]

ومما يتعلق بالسورة أنها سميت باسم نبي اشتهرت قصته وهو يونس عليه السلام، وقصته معروفة، قال الله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:٩٨].

وقد ذكرنا في دروس سبقت: أن سنن الله لا تتبدل ولا تتغير، فإذا استثنى الله شيئاً فإنه ينبه على أنه خارج عن سنته، فإذا خرج الشيء عن سنة الله التي جرت في الخلق فلا يجوز لأحد أن يستشهد بها، والدليل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة -في أصح قولي العلماء- حارب وقاتل، ومكة في سنة الله في خلقه أنها محرمة، فقال صلى الله عليه وسلم يرد هذا الباب ويردم هذه الفجوة، قال: (إن الله حرم القتال فيها، وإن الله أحلها لنبيه ساعة من نهار ولم يحلها لأحد)، فهذا دلالة على أن الخارج عن السنة لا يستشهد به.

وذكرنا مراراً: أن الإيمان إيمان اضطراري وإيمان اختياري، وقلنا: إن الله لا يقبل الإيمان الاضطراري أبداً، والإيمان الاضطراري له حالتان: الحالة الأولى: عامة لم تأت، وهي طلوع الشمس من مغربها، والدليل عليه قول: الله: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا} [الأنعام:١٥٨] فنفساً مفعول به مقدم.

{إِيمَانُهَا} [الأنعام:١٥٨] فاعل، يعني: لا ينفع الإيمانُ النفسَ.

والحالة الثانية: إذا حق العذاب ونزل فلا يقبل، كما قال فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠]، ومع ذلك لم يقبل الله منه إيماناً.

وهذه السنة الكونية العامة أخرج الله منها قوم يونس؛ لحكمة أخفاها الله، لكن أثبتها الواقع، قال الله: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [يونس:٩٨]، ومعنى الآية: إذا آمنت قرية وقت حقوق العذاب فلا يقبل منها.

{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ} [يونس:٩٨] يعني: لا يوجد قرية آمنت فنفعها إيمانها.

ثم استثنى ربنا فقال: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:٩٨]، ولهذا اختلف العلماء هل إيمانهم هذا يقبل في الآخرة أو لا يقبل؟ والصواب إن شاء الله أنه يقبل، فما دام أن الله أكرمهم في الدنيا فسيكرمهم في الآخرة.

وقلنا: إن يونس أحد أنبياء الله من بني إسرائيل، ولا حاجة للإخبار عن قصته لاشتهارها.

<<  <  ج: ص:  >  >>