للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر)]

انتقل ربنا جل شأنه للحديث عن أهل النفاق فقال وهو أصدق القائلين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٨ - ١٠].

(من) بيانية أو بعضية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ) يعني: بلسانه، والنفاق قسمان: نفاق اعتقادي: ومن مات عليه فهو خالد في النار.

ونفاق عملي: وهو من أكبر الكبائر، مثل ما ذكر في حديث: (إذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا خاصم فجر) وهذه من أكبر الكبائر.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ) وقلنا: هذا كله كان بعد بدر، (وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ) معنى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا): أنهم يتصورون أن هذا النفاق الذي يظنون أنه راج على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعصمت به دماؤهم وتم لهم التناكح والتوارث أنه يوم القيامة يروج على الله، وهذا نبه الله جل وعلا عليه في آية أخرى، قال الله وعلا: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [المجادلة:١٨] يعني: يعتقدون أن هذه الأيمان التي أعطوكم إياها في الدنيا فنالوا بها العصمة في الدماء وصدقتموهم وأوكلتموهم إلى ظاهرهم أنهم سيعيدونها يوم القيامة، فيظنون في قرارة أنفسهم أنهم خدعوا أهل الأرض وسيخدعون ربهم يوم القيامة! قال الله جل وعلا: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٩] بصنيعهم هذا في اعتقادهم {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} [البقرة:٩] لأنه لن يتحقق شيء من مطلوبهم هذا أبداً {وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:٩] لماذا لا يشعرون؟ لأن الشعور يكون بالحواس، وهؤلاء حواسهم معطلة؛ لأن الله جل وعلا لم يجعلهم ينتفعوا لا بسمع، ولا ببصر، ولا بقلب؛ ولهذا قال الله عن الكافرين: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} [البقرة:٧]، قال بعض أهل العلم: طرق العلم ثلاثة: القلب والسمع والبصر، فالقلب محل العلم، يستقر فيه العلم، والرؤية والسمع وسيلتان للحصول على العلم، فإذا كان القلب مختوماً عليه وكذلك السمع والبصر عليه غشاوة فلا سبيل إلى العلم والهدى أبداً؛ ولهذا قال الله جل وعلا عن هؤلاء كذلك: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٩ - ١٠].