للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت)]

قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧]، كلف الله الخليل أن يبني لله بيتاً، لكن الخلاف هل بناه أحد قبل إبراهيم أو لم يبن من قبل؟ وأنا أرجح -والعلم عند الله- أن البيت بنته الملائكة قبل نزول آدم تمهيداً لنزوله، ودفعنا إلى هذا أنه لو كان أحد من الخلق بنى البيت قبل إبراهيم من غير الملائكة آدم أو غيره من الأنبياء لأخبر الله جل وعلا به؛ لأن الله لا يظلم الناس مثقال ذرة، وبناء بيت لله تشريف، ويؤيده أن إبراهيم عليه السلام لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج وقد أسند ظهره إلى البيت المعمور، وهذا فهم منه العلماء أنه مكافئة له على أنه بنى لله الكعبة، فلو كان أحداً من الأنبياء غيره بنى البيت لكوفئ بها قبل إبراهيم؛ لأن الله حكم عدل، لكن لما بنته الملائكة، والملائكة أصلاً طاعتهم جبلة، وذلك لا يتعلق به لهم ثواب أو عقاب، فلم يذكر الله جل وعلا ذلك عنهم.

قد يقول قائل: لماذا لا تقول: إن إبراهيم هو أول من بنى البيت؟ فنقول: هذا يعني أن الناس لم يعرفوا الحج إلا بعد إبراهيم، ومعناه أن إدريس ونوحاً وصالحاً وغيرهم لم يحجوا! وهذا في ظننا بعيد، بل أظن أنه توجد نصوص تدل على حج أولئك الأخيار.

قال الله جل وعلا: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:١٢٧] قال العلماء فيما يروونه تاريخياً: جاءت سحابة أظلت مكان البيت فعرف إبراهيم القواعد.

وقال آخرون: جاءت ريح فكنست جزءاً من الأرض، والخبر الصحيح أن إبراهيم أشار إلى إسماعيل إلى ربوة، وقال: إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، قال: يا أبت أجب أمر ربك، قال: وتعينني؟ قال: نعم يا أبتاه، فبنيا البيت.

قال الله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:١٢٧ - ١٢٨] فحرصا أعظم ما حرصا عليه ألا تلجأ قلوبهما إلى أحد غير الله.

{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة:١٢٨]، وهذا استجداء للرحمن الرحيم، فالإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله.

{وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٢٨]، وهذا اعتراف بالتقصير، فحاجتهما هي التوبة ومحو الذنوب وستر العيوب، فلجئا وتوسلا إلى الرب باسمين من أسمائه: {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٢٨].