للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)]

قال الله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٠].

يبحث العلماء هنا الاستثناء في قوله جل وعلا: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة:١٥٠] هل هو استثناء منقطع أو استثناء متصل؟ والمعنى من حيث الجملة واحد أي: من لا يبحث عن الحق لا سبيل إلى إقناعه وإرضائه، لكن رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاستثناء هنا استثناء متصل، وتفصيل ذلك أن تعلم التالي: الحجة في القرآن وردت بمعنيين: المعنى الأول: الحجة بمعنى الحق، وهي الحجة الصحيحة الواضحة البينة، مثل قول الله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام:٨٣]، ويحمل عليها قول الله أيضاً: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:١٤٩] أي: الواضحة الصحيحة التي لا ريب فيها.

المعنى الثاني: الحجة بمعنى الجدال سواء كان بالحق أو بالباطل، ومنه قول الله جل وعلا في سورة الجاثية مثلاً: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:٢٥]، فالمقصود بأنها حجة باطلة وإن ذكرت على أنها حجة.

قال الله جل وعلا: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة:١٥٠]، وكونهم ظالمين قد يخشى أذاهم، فحين يخشى أذاهم علق الله أولياءه به فقال جل وعلا: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٠].