للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع)]

قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥]، هذا الابتلاء يكون للأفراد، ويكون للأمم، ويكون للمجتمعات، والله جل وعلا مضت سنته واقتضت حكمته ومضت كلمته أن الناس يبتلون تمحيصاً؛ ليميز الصابر من الجازع، والمؤمن من الكافر، وأنواع البلاء تختلف، وقد وقع الابتلاء حتى في خير القرون، فالنبي عليه الصلاة والسلام حوصر ومن معه، وزلزلوا زلزالاً شديداً، وفي عهد عمر كان الطاعون، وغير ذلك من الابتلاءات التي تمر بالمسلمين على مستوى الأمم، وعلى مستوى الأفراد، يبتلى الإنسان بفقد ماله، بفقد أهله، بفقد ذويه، بفقد قرابته، وهذا أمر مستفيض لا يحتاج إلى بيان، ثم عند تلقي البلاء تعبد الله عباده الصالحين بأن يقولوا: إنا لله وملك له وعبيد له، ولا حول لنا فننتصر، ولسنا برآء فنعتذر، ولا قوة لنا إلا بالله، وهو ربنا يفعل بنا ما يشاء، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦] أي: منقلبنا إليه فيثيبنا إن صبرنا، ويعاقبنا إن جزعنا إلا أن يرحمنا فهذا المعنى الحرفي لقوله: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦] فيه منتهى التسليم لرب البرية جل جلاله، وهذه الكلمة يقال: إن الأنبياء من قبل لم يكونوا يعلمونها، ولو كانت شائعة بينهم لقال يعقوب: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولم يقل: واأسفا على يوسف، وقد ورد في آثار ليس فيها ما نعلمه صحيحاً سنداً، لكن العقل لا يمنعه أنها كلمة اختص الله بها هذه الأمة.