للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد)]

قال الله جلا وعلا: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣] لما حذر الله جلا وعلا من كتمان العلم ذكر الله جلا وعلا أعظم علم ينبغي أن يظهر للناس وهو توحيده جلا جلاله، والتعريف به تبارك وتعالى، فقال معرفاً بذاته العلية مبيناً أعظم علم ينبغي أن ينشر: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣]، وقد مر معنى تفسير: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣] في سورة الفاتحة، وقوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:١٦٣] كلمة من أجلها خلق الله السماوات والأرض، ومن أجلها كان الحساب والعرض، ومن أجلها يحشر العباد، ومن أجلها جرد محمد وأصحابه سيوف الجهاد، ومن أجلها أقيمت الحجج والبراهين، ومن أجلها تنصب الموازين يوم القيامة.

قال عليه الصلاة والسلام: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا اله دخل الجنة)، أولها نفي وآخرها إثبات، أولها جحود وآخرها إقرار، ويروى عن بعض المتصوفة ممن علق به شيء من التصوف كـ الشبلي رحمه الله كان يقول: لا أقولها ويقول: الله، ويقول: أخشى أن أبدأ بالجحود فأموت دون أن أصل إلى الإقرار، يعني: أخاف أن أبدأ بالجحود فأقول: لا إله ثم أموت قبل أن أقول: إلا الله، وهذا ورع مذموم، قال القرطبي رحمه الله معلقاً على كلامه هذا: هذا من علومهم الدقيقة التي ليست لها حقيقة؛ لأن الله جلا وعلا تعبدنا بهذه الكلمة، وذكرها مراراً في كتابه العظيم، ووعد عليها الثواب العظيم، والله أرأف وأرحم وأعدل من أن عبداً أراد أن يقول: لا إله إلا الله وهو مؤمن بها قائم بالعمل بها عارف بلوازمها فقال: لا إله وأدركه الموت، فهذا من أهل الجنة قطعاً، فالله جلا وعلا حكم عدل، ورب ذو فضل لكن كما قال القرطبي رحمه الله عنهم: هذا من علومهم الدقيقة التي ليست لها حقيقة، وأي علم تريد أن يثبت نبش عنه، وكثير من الأشياء لا تغرنك بادي الرأي فتزدلف إليها، وأنا أكثرت من القول في الشيعة، فهم يأتون مثلاً لمقتل الحسين بن علي وهو مصيبة ويقولون: أي قلوب قاسية لكم، أنتم تبكون على موت أبنائكم وآبائكم وأمهاتكم، فكيف لا تبكون بموت سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويضعه على فخذه، ثم يقتل وهو صائم، ويفصل رأسه عن جسده، ثم يقدم قرباناً للسلاطين والأمراء؟! هذا القول من أوله يستعطفك وقد يأسرك، فنقول: إن موت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من موت الحسين، ومقتل علي رضي الله عنه وأرضاه والد الحسين أعظم من مقتل الحسين نفسه، لكن الله جلا وعلا ما تعبدنا بمثل هذه الصنائع قرباناً له، ونحن نعلم أن قتلة الحسين فجرة ظلمة فسقة، اقترفوا إثماً عظيماً لكن ليس التعبير العلمي والصنيع الحقيقي أن نصنع كما يصنع الشيعة في كل عام، نظهر المآسي والمآتم والحزن على وفاته رضي الله عنه وأرضاه، وإن كان في وفاته عبر وعظات لكل أحد، فإنه كم من شخص يتلبس بالحق وينادي إليه ويزمجر به على المنابر، وكل الذي يدعو إليه عين الباطل! فالذي قتل الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر ويقول: الله أكبر وهو يقتل الحسين سبط رسول الله صلوات الله وسلامه عليه! يقول أحد علماء السنة آنذاك: جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد متزملاً بدمائه تزميلا وكأنما بك يا ابن بنت محمد قتلوا جهاراً عامدين رسولا قتلوك عطشاناً ولم يترقبوا في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا من هنا تعلم ما هو العلم؟ هو نور يقذفه الله في القلب، فتكون على بينة من هدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتسير به إلى رحمة علام الغيوب، الإنسان تأتيه الشبهات فيجتنبها بالعلم، ويمشي واثق الخطوة، رافع الرأس، ثابت القدم، متوكل على الله، لا تغره الشبهات، ولا تأسره الشهوات، وهذا إذا اجتمع مع علمه إيمان بالرب تبارك وتعالى.

قال الله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣] جاء في الأثر من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:١ - ٢])، وقوله جلا وعلا: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣]، ونحن نعلم أن الآثار دلت على أن لله جلا وعلا اسماً أعظم، لكننا نجهل هذا الاسم، وهذا الاسم إذا دعي به الله أجاب وإذا سئل به أعطي، والله جلا وعلا أخفاه، وبعض العلماء ذهب إلى أنه الحي القيوم، وبعضهم ذهب إلى أنه لفظ الجلالة، وبعضهم ذهب إلى أنه الله الذي لا إله إلا هو، وبعضهم قال: هو الحي مع الله لا إله إلا هو، واستشهد بآية غافر: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر:٦٥]، فاختلفت فيه أقوال العلماء، وكل منهم ضرب بعطن في ناحية بعينها، لكن المقصود أن يعلم الإنسان أن لله اسماً أعظم، ووجهاً أكرم، وعطية جزلى، وحجة بالغة، وقوة لا تقهر، ووعداً لا يخلف، وجنداً لا يهزم، فنسأل الله جلا وعلا بأسمائه وصفاته جملة أن يدخلنا الجنة ويجيرنا من النار.