كتاب سلسلة محاسن التأويل - المغامسي

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)]

قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] ذكر الله جل وعلا في هذه الآية المباركة دلائل على البعث والنشور، ذكر ثلاثة أدلة: الدليل الأول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) الله خلق الناس، ومن قدر على الخلق قادر على الإعادة، قال الله جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:٢٧].

الدليل الثاني: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:٢٢]، وخلق السماء أكبر من خلق الأرض.

الدليل الثالث: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة:٢٢] هذا قياس! {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩] فهذه الثلاث جمعها الله في آيتين، وهي الأدلة الصريحة في القرآن المتفرقة بعد ذلك في إثبات مسألة البعث والنشور.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:٢١] فمن بدأ الخلق قادر على الإعادة، كما بدأنا أول خلق نعيده، ثم الإشارة إلى خلق السماء، ومن خلق الأعظم قادر على خلق الأدنى، وإن كان الكل عند الله سواء، والأمر الثالث: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة:٢٢] القياس {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [الروم:٥٠] كما قال الله جل وعلا في أكثر من آية، هذا المعنى إجمال ثم نحرر المعنى عموماً.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذا نداء عام، {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] والعبودية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عبودية بالشرع: وهي الفرق بين الحر والعبد، وهذه لا علاقة لها بالآية هنا.

وعبودية تذلل وانقياد: وهذه يشترك فيها الخلائق كلهم برهم وفاجرهم، قال الله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:٩٣].

وعبودية طاعة: وهي المقصودة هنا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:٢١ - ٢٢] والسماء في اللغة: كل ما علا وارتفع، {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢٢] أين مفعول تعلمون؟ محذوف لدلالة المعنى عليه، أي: وأنتم تعلمون أنه ليس له أنداد، وجعل العبد لله نداً هذا من أعظم الشرك، قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أعظم الذنب: (أن تجعل لله نداً وقد خلقك).