للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كفارة من فعل محظوراً في الحج

قال الله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:١٩٦] فالأصل أن هناك محظورات في الإحرام، فقال الله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦].

فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة نصف الصاع، والنسك أصله العبادة, ولكن لما كان النحر من أعظم القربات أطلق على التقرب إلى الله ببهيمة الأنعام, لكن هذا يكون على التخيير، ومما يقع فيه الخطأ في الفتوى بين بعض طلبة العلم: أنهم لا يفرقون بين ترك الواجب وفعل المحظور.

فما الذي يترتب على فعل المحظور؟ وما الذي يترتب على ترك الواجب؟ يكون التخيير في كفارة فعل المحظور, فمن فعل محظوراً من محظورات الإحرام وجاءك يستفتيك فقال: حلقت رأسي، أو تطيبت, أو فعل أي محظور من محظورات الإحرام, فهذا تقول له: أنت مخير بين ثلاثة أمور: بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين كل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة؛ لقول الله جل وعلا: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦]، فـ (أو) هنا للتخيير.

وأما من ترك واجباً فإنه يهرق دماً وليس هناك تخيير، لكنه إن عجز عن الدم ينتقل إلى صيام عشرة أيام, وهذا مما يقع به الخطأ في الفتوى، فلو جاء إنسان وقال: أيها الشيخ المبارك! أو يا طالب العلم! تجاوزت الميقات دون أن أحرم، فنقول له: أنت لم تفعل محظوراً، وإنما تركت واجباً فعليك دم, ولو جاءك من يقول: لم أبت في مزدلفة, فتقول له: تركت واجباً عند جماهير العلماء، فعليك دم.

لكن لو قال: حلقت، أو قلمت أظفاري، أو مسست طيباً، أو لبست مخيطاً، فهذا تقول له: أنت مخير بين الثلاثة الأمور في الآية؛ لأنك فعلت محظوراً.

قال الله: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦].

وهل هو دم جبران أو غير ذلك؟ هذا فيها خلاف بين العلماء, لكن معلوم أن الأنساك ثلاثة: إفراد وتمتع وقران, فعلى قدر ما تأخذ على قدر ما تعطي, والعكس كذلك.

فهذا الذي ذهب يحج وأفرد الحج بسفرة لوحدها، ولم يعط زيادة من طاعة وهي العمرة, فلا يؤخذ منه دم، وأما من قرن ما بين الحج والعمرة في سفرة واحدة فعليه دم؛ عوضاً عن الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد.

ومن تمتع فقد مكث أياماً يلبس ويتطيب ويأتي النساء، فعوضاً عن هذا التمتع يهرق دماً؛ فلذا قال الله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:١٩٦] أي: إلى أهلكم {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦]، ومعلوم أن الثلاثة والسبعة: عشرة, فلماذا نص الله على ذلك وقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦]؟ اختلف العلماء, والأظهر عندي والعلم عند الله: أن هذه الآمة أمة أمية لا تحسب، وهم المخاطبون الأولون بالقرآن, فبينه الله بياناً جلياً حتى لا يقع منهم خطأ, فقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}.