للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات]

ثم قال الله جل وعلا: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [البقرة:٢١٠]، وهنا ننيخ المطايا؛ لأننا نخاطب طلبة علم في المقام الأول، فهذه الآية هي إحدى الآيات التي تتكلم عن آيات الصفات، وهي آيات كما تعلم زلت فيها أقدام، وحارت فيها أفهام، ولا نجاة في مثل هذا التفسير وهذا المنحى إلا باتباع منهج السلف الصالح رحمهم الله في التعامل مع آيات الصفات، ومنهج السلف الصالح في التعامل مع آيات الصفات يقوم على أسس ثلاثة: الأساس الأول: تنزيه صفات الله أن يشبه شيء منها صفات المخلوقين، ودليله قول الله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

وقوله جل ثناؤه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، فهذا أول الأسس في منهج السلف في التعامل مع آيات الصفات.

الأساس الثاني: الإيمان التام بما وصف الله به نفسه؛ لأنه لا أحد أعلم من الله بالله، ودليله: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠].

ويتبع هذا الأساس-يعني: ما زلنا في الأساس الثاني- الإيمان بما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؛ لأنه لا أحد بعد الله أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم، ودليله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

الأساس الثالث -وهذا مهم جداً-: قطع الطمع في إدراك الكيفية، والمعنى: أي: لا سبيل أبداً إلى معرفة كيفية هذه الصفات، ودليله قول الله جل وعلا: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠].

هذه الأسس الثلاث حررها شيخنا الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه في كتابه القيم (أضواء البيان).

وهنا يأتي إشكال، فلو أخذنا مثال آية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] وهي غير موجودة معنا هنا -يعني: ليست في سورة البقرة- لكني أريد أن أخاطب الناس كيف يتعلمون ما ينجم عن هذه القضية من أمور.

فقد ذهب القاضي عبد الجبار أحد رءوس المعتزلة إلى أن (استوى) هنا بمعنى استولى، وقال: كما تقول: استوى الأمير على العراق، وأتى ببيت شعر لو صح فليس له علاقة بالدليل: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق فمفهوم كلامه: أن العرش ما ضرب إلا كمثل، والمقصود: استيلاء الله على كل شيء، فترك النقل وقدم العقل، هذا أمر.

والأمر الثاني: ترك ما وصف الله به نفسه وأتى هو بوصف من عنده، وكأن اللفظ القرآني قاصر عن أن يوصل المعنى إليك، ثم إن هذا -شاء أم أبى- يدل على كيفية ذلك الاستواء؛ لأنه حصره بمعنى الاستيلاء.