للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العدل في رد الأخطاء مع من ظهر صلاحه]

والأمر الثاني: معرفة حقوق أهل الإسلام، فلا يمكن أن تأتي لمسلم فسر القرآن، وظهر عليه الصلاح، وصلى وصام وقام وعبد واتقى، وبذل جهده وعمره في تفسير كلام الله، فمن أجل خطأ تشنع عليه شناعة تذهب كل محاسنه، فهذا حتى لا يتفق مع العدل الذي أمر الله به، فماذا نصنع؟ نتكلم عن الخطأ ونحرره، ونبين للناس الصواب، وأن هؤلاء أخطئوا وسلكوا مسلكاً هم في غنىً عنه، وواجهتهم عقبة كئود، فلا هم بالذين استطاعوا أن يرجعوا، ولا هم بالذين استطاعوا أن يتجاوزوها، فلا هم تجاوزوها ووصلوا إلى المقصود، ولا هم الذين رجعوا فسلموا، وإنما أوقعوا أنفسهم بخروجهم عن منهج سلف الأمة في التعامل مع آيات الصفات.

فتحرير هذا يدفعنا إليه النصح لدين الله، ونحن إذ بينا هذا الخطأ ونهينا الناس عن اتباعهم فيه نتوقف على أن نزيد فيه وندخل في أعراضهم ونقول فيهم ما لا يحل، فإن أعراض المسلمين ودماءهم وأموالهم حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا).

يتفرع على هذا مسألة أخرى، وهي أنك أحياناً -وقد لا يكثر هذا، لكن قد يوجد- قد يأتي أحد من مشايخك فيتحدث عن أحد الناس قدحاً فيه، فمثلاً لو قدر -عافنا الله وإياكم، وعصمنا الله من كل سوء- لو أنني على مقعدي هذا ذممت أحد علماء المسلمين الصالحين، فأنت أيها الطالب! في هذه الحلقة المباركة، أو من يأخذ العلم عنا خلف التلفاز أمام ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يقبل قدحي في غيري موالاة لي، وهذا باطل.

الحالة الثانية: أن يقول لا يؤخذ منه علم؛ لأنه قدح في قرينه -والقدح غالباً يكون في القرين-، فتنفض يدك وتحرم نفسك من العلم الذي آتاه الله إياه، وهذا خطأ آخر.

والصواب: ألا تقبل القول الخطأ في أي أحد، ولا القدح في الناس، ولو كان هذا شيخك أو رجلاً له فضل عليك، فالباطل يرد على كل أحد، لكن كن لبيباً فلا تحرم نفسك من شيء من علمه أن تحصله بسبب هذا.

فالإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه سئل: أين نذهب بعدك؟ فدلهم على رجل، فقيل له: إن يتكلم فيك، فقال: رجل صالح ابتلاه الله بي.

فكونه مبتلىً بي ويحسدني على منزلتي شيء، وكونه عالم شيء آخر، فلا تقبل قدحه فيّ ولا حسده إياي، وخذ من علمه؛ حتى تستفيد.

تطبيق علمي على أصلنا: (الجامع لأحكام القرآن) كتاب تفسير للقرطبي، وقد وقع فيه القرطبي رحمه الله في مسائل مشابهة لهذه وهنات كبرى، كقوله عند تفسير الله جل وعلا: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، قال: أمره أو ملائكته أو جنده، فأول الآية، لكن لا يمنع هذا أن تفسير القرطبي من أمتع كتب التفسير، وليس هناك حرج أن تقول بملء فيك -وليس هذا قدحاً في القرطبي -: إن القرطبي في تلك المسائل أخطأ؛ لأن هذا يفرضه النصح لدين الله، فإذا ضبطت -في ظني المسألة- وفق هذا التصور سلم الناس كثيراً من التخبطات، وأما أن يأتي إنسان فيجامل ويترك النصح للدين فهذا لا يجوز، وأن يأتي إنسان فيضع أئمة المسلمين في الحضيض بحجة النصح للدين فهذا لا يجوز.