للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)]

قال ربنا: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:٢٤] ثم جاءت جملة اعتراضية {وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:٢٤]، فالأصل: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ)، (وَلَنْ تَفْعَلُوا) يسمى عند البلاغيين إطناباً، وقد مر معنا تحرير المقام البلاغي وأن الكلام فيه إيجاز، وفيه مساواة، وفيه إطناب، والقرآن جاء بالإيجاز والمساواة والإطناب، إذا كانت هناك مصلحة في الإيجاز كان إيجاز، وإن كانت هناك مصلحة في المساواة كانت مساواة، وإن كانت المصلحة في الإطناب كان الإطناب، كقول الله تبارك وتعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل:٥٧] فسبحانه هذه زائدة اعتراضية، لكن جيء بها إطناباً لتنزيه الله جل وعلا عما نسبه إليه الغير.

وهنا جيء بـ: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) إطناباً حتى يكون إمعاناً في التحدي وبياناً لعجزهم، وقد قلنا من قبل: إن هذا الأمر أو هذا القول أو هذا الحكم لا يمكن أن يقوله أحد غير الله، ومثله قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١] كما حررنا الكلام عنها في موضعه.

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] فالله جل وعلا خلق ناراً أرادها نكالاً ووبالاً لمن عصاه، وسيأتي الحديث عنها عند ذكر الآيات المختصة بتفصيل النار.