للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير)]

{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:٢١٩ - ٢٢٠] واليتيم قد مر معنا في اللغة، وهو في الاصطلاح: من انفرد عمن يرعاه، هذا في الاصطلاح، وقد مر معنا أن اليتيم من بني آدم هو من فقد أباه، ومن الطير: من فقد أمه وأباه، ومن البهائم: من فقد أمه دون أبيه؛ لأن البهائم لا تجد أباً يعولها، فالمعيار فيها والمناط جميعاً هي قضية الرعاية، فلما كان عالم الطيور يشترك الذكر والأنثى في الرعاية سُمي من يفقد الاثنين يتيماً.

نعود للآية ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى)) قال الله تعالى: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:٢٢٠]، وأنزل الله جل وعلا قبلها: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء:١٠] فشق ذلك على الصحابة، فعزلوا أموالهم عن أموال اليتامى، فأنزل الله جل وعلا بعدها: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:٢٢٠] ولغة القرآن واسعة، ومظلة عظيمة، فالإصلاح هنا يندرج فيه أمور عدة: إصلاح قلبي بمعنى أن تشفق عليه وترحمه ولو كان غنياً؛ لتجبر كسره في فقد والده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (خير بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه)، رواه البخاري في (الأدب المفرد)، وجعل صلى الله عليه وسلم من أسباب لين القلوب وذهاب قسوته المسح على رأس اليتيم، وهذه كلها منافع تعود على اليتامى قلبياً ونفسياً وروحياً، ومن حيث الإصلاح الاقتصادي، وهو المقصود بالآية {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:٢٢٠].

فقد أباح الله لأولياء اليتامى أن يُخالطوا أموالهم إلى أموالهم، لكنه بيّن جل وعلا أن العبرة كل العبرة في ذلك بالمقصد، ومن هنا فهم العلماء من قول الرب تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:٢٢٠] أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمن خالط اليتيم في ماله رجاء أن يصلح مال اليتيم وينفعه فهذا يؤجر، ومن خالط اليتيم في ماله رجاء أن يأكل مال اليتيم ويستولي عليه فهذا يأثم، وإن كانت الحال الواحدة؛ لأن المخالطة تنقسم إلى قسمين: مخالطة يُراد بها الإفساد، ومخالطة يُراد بها الإصلاح، ومن هنا فهم العلماء من قول الله جل وعلا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:٢٢٠] أن الوسائل لها أحكام المقاصد، {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} [البقرة:٢٢٠] أي: لشق عليكم، {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٢٠].