للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرق شهادة الله تعالى لنبيه بالرسالة]

وشهادة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأنه رسول لها ثلاث طرائق: الطريقة الأولى: الإخبار في كتابه الكريم بأن محمداً رسول الله، قال الله تعالى في سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩] وقال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب:٤٥] فهذا كلام الله جل وعلا شهد الله فيه لنبيه بأنه رسول، وقد مر معنا أن النص على أن محمداً رسول الله نزل بعد صلح الحديبية؛ فإن قريشاً لما صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على طريقة سهيل بن عمرو قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ علي: (اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو) فقال سهيل معترضاً وكان يوم ذاك مشركا وأسلم بعد ذلك: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب اسمك واسم أبيك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بأن يمحوها فأبى علي أن يمحوها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنك ستدعى لمثلها فتفعل).

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بأن يخبره بموضعها، فالأمة كلها تتعلم منه عليه الصلاة والسلام وهو لا يعلم أين موضع كلمة (رسول الله)، فالأمية في حقه رفعه ومنقبة وفي حق غيره مذمة، وصدق القائل: يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت بك العلماء والقائل: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم فمحاها صلى الله عليه وسلم وكتب اسمه واسم أبيه، وتمت بعد ذلك كتابة شرائط الصلح، وانتهى الصلح، وحل النبي صلى الله عليه وسلم من إحرامه وعاد قافلاً إلى المدينة، فأنزل الله عليه {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩]، فإن لم يشهد الكفار فالله يقول: أنا أشهد، والله خير الشاهدين {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩]، فهذا إحدى الطرائق في شهادة الله لنبيه بالرسالة.

الطريقة الثانية: تأييده بالمعجزات الظاهرة، والله جل وعلا أجل وأعلم وأحكم من أن يأتي رجل يكذب على الله ويتقول على الله ويقول أنا رسول وهو ليس برسوله، ويقول أنا نبيه وهو ليس بنبيه، ويقول: هذا كلامه وهو ليس بكلامه، ويدعوهم إلى شيء فيقول: إن الله دعاهم إليه وهو غير صحيح، ثم بعد ذلك يؤيده الله بمعجزات ظاهرة وبراهين قاهرة، وينشأ نشأة حميدة، ويمن عليه بعطايا، فهذا محال يتنافى مع الحكمة، فتأييد الله له بالمعجزات الظاهرة والبراهين وإكرامه من دلائل أنه رسول الله، وهو الطريق الثاني في الشهادة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله قال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤ - ٤٦].

الطريقة الثالثة: ما أخبر الله به في كتبه التي سبقت القرآن، وما جاء على ألسنة رسله الذين سبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر في الكتب، وبذلك تمت طرائق ثلاث في شهادة الله لمحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام بأنه رسول من عند الله.

فلهذا قال صلى الله عليه وسلم كما قال الله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ} [الأنعام:١٩]، فذكر القرآن على أنه أعظم معجزاته.