للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر أوجه تصريف العرب لألفاظ الدلالة على الخروج]

وقد كان بعضهم يقول لبعض: ألا تأتون إلى هذا الصابئ؟ يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم، وكلمة صابئ فعلها (صبأ)، والعرب في طيات كلامها تفرق الشيء الواحد في إطلاق لفظ العبارة عليه، فمن خرج من دين إلى دين يقال له: صبأ، وقريش كانت تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على دينها، فلما رأوه أتى بدين جديد ظنوا أنه قد خرج عن دينهم، فلهذا قالوا: (صابئ)، وهي اسم فاعل من (صبأ)، والقرآن نزل بلغة العرب، فهم لا يستخدمون هذا اللفظ لكل شيء، فإذا خرج الرجل من داره يقولون: خرج، ولكن إذا خرج من دينه يقولون: صبأ، فإذا كان الرجل بين قوم، ثم خرج لا يقولون عنه: خرج، بل يقولون: انسل، فهنا ثلاثة ألفاظ: فيقال: (خرج) إذا خرج من الدار، و (صبأ) إذا خرج من الدين، و (انسل) إذا خرج من المجلس، فإذا الخارج سهماً خرج من الرمية يقولون: مرق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين ذكر الخوارج: (يمرق أحدهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، فإذا خرج السهم من الرمية لا يقولون: خرج السهم من الرمية، بل يقولون: مرق السهم من الرمية، فإذا صاد صائد سمكة ثم تفلتت من يده لا يقولون: خرجت من يده، بل يقولون: تملصت من يده، وهذا يدل على سعة لغة العرب وبها نزل القرآن.