للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه)]

ثم قال الله بعد ذلك: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:٢٨] أي: كاذبون في دعواهم أنهم لو ردوا فلن يشركوا، حيث قالوا: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:٢٧] والله يقول: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:٢٨]، ومن هنا تعلم أنه لا يهلك على الله إلا هالك، ومعنى ذلك أن الله لا يعذب إلا من كان راضياً بكفره معانداً لربه فرحاً بما هو عليه، قال الله: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل:١٠٦] وهذا يجعلك لا تحمل في قلبك كثيراً من اللوم والعتب على من أخطأ من علماء المسلمين؛ لأن هذا العالم عندما أخطأ كان يعتقد ويظن أنه على صواب، قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات: وواجب عند اختلاف الفهم إحساننا الظن بأهل العلم قال الله جل وعلا: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:٢٨] فانقطعت (قبل) عن الإضافة، ولذلك بنيت على الضم، {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:٢٨] أي: في دعواهم أنهم لو ردوا لما أشركوا.

وقد جرت عادة العلماء ببيان أمر متعلق بهذه الآية، وهو أن الله جل وعلا يعلم ما قد كان، وما هو كائن، وما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، ومن الآيات التي استدل بها العلماء على صحة هذا القول هذه الآية؛ لأن الله قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:٢٨] وقد علمنا كما أعلمنا الله أنهم لن يردوا ولن يعودوا إلى الدنيا مرة أخرى، ولكن الله يقول لو ردوا سيحصل كذا وكذا وسيحدث كذا وكذا، وهذا لا يقدر على القول به إلا الله؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا هو جل ذكره.