للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قطوف لغوية]

يقول تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ} [الأنعام:٢٨] (بدا) هنا بمعنى: (ظهر) {مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:٢٨] قلنا: إن (قبل) بنيت على الضم لانقطاعها عن الإضافة، فالظروف مثل (قبل) و (بعد) إذا أُضيفت تظهر عليها الحركة، كقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ} [النور:٥٨]، فإن لم تضف بنيت على الضم.

وقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام:٢٨] اللام في (لعادوا) واقعة في جواب لو، وهنا أظهر جواب (لو)، بخلاف الآية التي سبقت {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام:٢٧] فلم يأت بالجواب، فهنا أظهره تأكيداً، وهناك حذفه للمبالغة في الأمر الشنيع والعظيم الذي وقعوا فيه.

وقوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الأنعام:٢٩] (إن) هنا نافية بمعنى (ما) يعني: ما هي إلا حياتنا الدنيا، وتأتي مثلها في الرسم الإملائي (إن) الشرطية، ويظهر الفرق بينهما من سياق الكلام، مثل قول الله جل وعلا: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة:١١٨] فهذه شرطية، أما (إن) هنا فواضح من سياق الكلام أنها نافية.

وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا} [الأنعام:٢٧] (ليت) للتمني، وتقابلها لعل، ولكن لعل تستخدمها العرب في الذي يغلب على الظن أنه يقع، أما ليت ففي الذي يغلب على الظن أنه لا يقع، قال قائلهم: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب وقد تقرر عقلاً ونقلاً وشرعاً أن الشباب لا يعود.

و (لعل) للترجي، و (لعل) على كثرة ذكرها في القرآن وردت في موضع واحد في القرآن بمعنى (كأن)، قال الله جل وعلا: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:١٢٩] أي: كأنكم تخلدون، إذ لم يقل أحد من الأمم الذين كانوا يتخذون البنيان الفاره: إن هذا من أسباب بقائهم، فلم يقل بهذا أحد، ولكن المعنى أنه كلما أفرط الإنسان في المسكن وبالغ فيه فكأنه يبني بنيان من يظن أنه يخلد، فـ (لعل) في القرآن على بابها في الترجي إلا في موضع واحد، وهو قول الله جل وعلا: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:١٢٩]، فإنها بمعنى (كأن).