للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى (فلا تكونن من الجاهلين)]

ثم قال الله: {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام:٣٥]، ولم يقل: فلا تكن جاهلاً، والمعنى: إظهار كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، ولطف مخاطبة الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا جمعت هذا مع ما سلف من حرصه صلى الله عليه وسلم وشفقته بأمته تبين لك أنه عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يضره بعد مدح الله وملاطفته له ما يقوله أهل الكفر فيه، سواء ممن سبق وأدرك حياته صلى الله عليه وسلم ككفار قريش، أو من تراه في عصرنا هذا، فكل يوم ينعق في إحدى الدول ناعق.

والله لن يصلوا إليك ولا إلى ذرات رمل من تراب خطاكا كنت الخشاش على الثرى ومقامكم مثل السماء فمن يطول سماكا وإذا كان مدح الناس له صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إليه لأن الله مدحه، فكيف يضره ذم الناس؟! والله جل وعلا قد عصمه.

وهنا مسألة عقدية، وهي أن الله جل وعلا لا يضره ذم أحد ولا ينفعه مدح أحد ولا طاعته؛ لأن الله استغنى بذاته {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥]، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينفعه مدح أحد ولا يضره ذم أحد، وليس ذلك لذاته، بل لأن الله جل وعلا مدحه، ولأن الله جل وعلا حماه، فماذا سيقول المادحون فيه وقد مدحه الله؟! وماذا سيذمه الناس وقد عصمه الله، وقال له: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:٩٥]؟! فالله جل وعلا لا يبلغ مدحه قول قائل، ولا يجزي بآلائه أحد؛ لأن الله هو الغني الحميد.