للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار أهل التقوى، وصلى الله على محمد وعلى آله.

أما بعد: فما زلنا نتفيأ ظلال سورة الأنعام، والآية التي نحن بصدد الحديث عنها في هذا الدرس المبارك هي قول الله جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام:١٤١ - ١٤٢].

فنقول والله المستعان: إن القرشيين قالوا فيما سلف كما حكى الله عنهم: {هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ} [الأنعام:١٣٨] أي: زرع {حِجْرٌ} [الأنعام:١٣٨] أي: ممنوعة، {لا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:١٣٨]، وحكى الله عنهم أنهم قالوا: {مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام:١٣٩]، وهذا فيه منازعة لله جل وعلا في ربوبيته، والسورة تتكلم عن التوحيد، فهم أشركوا مع الله جل وعلا غيره بأن شرعوا حتى أقحموا أنفسهم في الأمر، فأراد الله جل وعلا أن يقيم عليهم الحجة ويثبت أنه وحده هو الخالق، وإذا كان هو وحده الخالق فهو وحده المشرع، فقال جل وعلا رداً عليهم: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} [الأنعام:١٤١] من غير اقتداء ولا احتذاء {جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام:١٤١]، والمعروشات: ما لا يقوم على سوقه، أي: ما يحتاج إلى عيدان يلتف عليها، كالعنب، وغير المعروشات ما يستغني بنفسه، كالنخل، فقال الله جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ} [الأنعام:١٤١] والنخل يدخل في غير المعروشات، ولكن هذا من باب ذكر الخاص بعد العام، ولأن النخل كان أكثر زرع عند العرب، قال تعالى: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام:١٤١]، متشابهاً في منظره وغير متشابه في طعمه، وهذه كلها ظاهرة لا تحتاج إلى تعليق.