للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض ما يتصل بالثمانية من العدد]

قال الله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام:١٤٣]، كلمة (ثمانية) غالباً ما تقال في الأشياء المحمودة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبواب الجنة ثمانية، في حين أن أبواب النار سبعة كما هو معلوم.

وقد ارتبط هذا الرقم بالخليفة العباسي المعتصم كثيراً، فأي صاحب صنعة تاريخية إذا ذكر له رقم (ثمانية) يتذكر الخليفة العباسي المعتصم.

فالمعتصم ثامن أولاد الرشيد، وثامن خلفاء بني العباس، وحكم ثمان سنين وثمانية أيام وثمانية أشهر، وولد في برج العقرب، والعقرب ثامن البروج، وخلف ثمانية ذكور وثمان إناث، وكان عمره عندما مات ثمانية وأربعين عاماً، فرقم (ثمانية) تعلق بحياته تعلقاً غريباً بقدر الله، وفي اليوم الذي مات فيه كان قد بقي من نهاية شهر ربيع ثمانية أيام، أي: مات لثمانية أيام بقين من شهر ربيع الأول، وهذا كله يدل على أن هذا الرجل سمي بالمثمن لارتباطه برقم (ثمانية) وقد كان دعبل الخزاعي على خلاف طويل مع المعتصم، فقال يهجو المعتصم: ملوك بني العباس في الكتب سبعة ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة خيار إذا عدو وثامنهم كلب وإني لأعلي كلبهم عنك رتبة لأنك ذو ذنب وليس له ذنب هذا ما قاله دعبل الخزاعي في هجاء المعتصم، وهذا يدخل على قضية الشعر السياسي.

والمهم أن دعبلاً هذا كان خزاعياً، فأصابه الغبن؛ لأن بني العباس وهم يريدون أن ينزعوا الخلافة من الأمويين كانوا يدعون إلى الرضا من آل البيت دون تحديد، فلما آلت الخلافة إليهم نحوا أبناء علي وجعلوها في أبناء العباس، بحجة أن أبناء عمومة النبي صلى الله عليه وسلم أولى من أبناء البنت؛ لأن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فأصاب ذلك العلويين عموماً بالحنق، ومن أشهر من والاهم دعبل هذا الذي هجا المعتصم، فأهدر دمه، وأخذ يدور في الفيافي.

ومتأخروا الشيعة الذين عاشوا في عصر بني العباس يعظمون دعبلاً تعظيماً شديداً لما قاله من أبيات في مدح أهل البيت، وهو القائل: ديار علي والحسين وجعفر وحمزة والسجاد ذي الثفنات أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من فيئهم صفرات بنات زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات ألم تر أني مذ ثلاثين حجة أروح وأغدو دائم الحسرات وقد كوفئ على هذه القصيدة، وهذا الشعر يفتح باب الشعر السياسي، وأول من فتحه قبله الكميت الأسدي في مدحه لآل البيت واحتجاجه على بني أميه بأن الحكم يمكن أن يورث.

هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله.

وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.