للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة على الصناعة النحوية في الآيات السابق تفسيرها]

ثم نأتي بعد ذلك إلى الصناعة النحوية فنقول: إن (سبحان) مصدر ملازم للإضافة، ويضاف للضمير كما يضاف للاسم الظاهر، فمثال إضافته للضمير قولنا: الله سبحانه، فأضفنا المصدر إلى الهاء وهي ضمير، أو نقول: سبحان الله، فأضفناه إلى اسم ظاهر، أو عندما تناجي ربك فتقول: لا إله إلا أنت سبحانك، فأضفته إلى ضمير، لكن الذي ينبغي أن يعلم: أن كلمة (سبحان) مصدر لا يخاطب به غير الله، ونظيره في الأفعال فعل: (تبارك)، فإن تبارك لا يخاطب به غير الله.

قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء:١]، قليلاً: ظرف زمان، وجاء منكراً إما للتقليل -كما مر معنا- فيكون المعنى: برهة العظمة، أو للتفخيم فيكون المعنى: ليل وأي ليل، والعلماء يقولون في كلمة (عبد) إنها من الأدلة على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد، قال: {بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ} [الإسراء:١]، قلنا: إن اللام لام التعريف، ولذلك نصب الفعل بعدها: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:١].

ثم قال: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء:٢] هدى: مفعول ثان لجعلنا، والمفعول الأول: هو الهاء في قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى} [الإسراء:٢].

وقد جاءت هدى هنا منونة، والاسم الذي ينصرف ينون، أما الاسم الذي لا ينون فهو الممنوع من الصرف وهدى هذه -كفائدة نحوية-: إذا أطلقت على امرأة، وأردت به علماً على امرأة كما تسمى بعض النساء: هدى، فلا تنون؛ لأنها ممنوعة من الصرف لسببين: للعلمية والتأنيث، أما إذا جعلناها مصدراً ولم نطلقها على علم بعينه من الإناث فيجوز تنوينها كما قال الله: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء:٢] فجاءت منونة.

ثم قال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء:٣]، قلنا: إن الجمهور يقول: إنها منادى بحرف نداء محذوف، أي: يا ذرية من حملنا مع نوح! وفيه نظر.

قال: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:٣]، هذه واضحة: فإن: حرف ناسخ، والهاء: اسمها، وكان وما بعدها واقعة في خبرها، ونوح: اسم كان محذوف مرفوع، وعبداً خبرها، لذلك جاءت منصوبة، وشكوراً: صفة لعبد.

هذا ما تيسر إيراده، وأعاننا الله جل وعلا على قوله، خضنا فيه شيئاً من التاريخ، وختمناه ببعض الصناعات النحوية على عجل، سائلين الله لنا ولكم التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.