للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على العلوين والإفسادين اللذين يحصلان لبني إسرائيل]

هذا يدفعنا للحديث في أمور كثيرة، والذي يظهر ولا أستطيع أن أجزم به: أن كلا الإفسادين والعلوين لم يقعا، وربما -والعلم عند الله- وقد قال به بعض المؤرخين المعاصرين: أن ما يحصل الآن هو العلو الأول لبني إسرائيل، ثم في ما يبدو - والعلم عند الله - أنه يتم إخراجهم من المسجد الأقصى دون أن تذهب دولتهم بالكلية بمعنى: إلى حدود سبع وستين.

ثم بعد ذلك فيما يظهر: أنهم يستعينون بقوى العالم فتعينهم فيخرجون المسلمين من المسجد الأقصى، ثم إن الله جل وعلا يهيئ للأمة آنذاك من يرد كيد اليهود وهي الملحمة الأخيرة التي فيها الحديث: (ستقاتلون اليهود، وفيها ينطق الحجر والشجر إلا الغرقد) هذا الذي يبدو والعلم عند الله.

دولة إسرائيل المعاصرة سميت بإسرائيل: نسبة إلى يعقوب الذين هم من ذريته، وقد أعلنت عام ١٩٤٨م، والذي أعلن من رؤساء إسرائيل قيام الدولة: بن غوريون أول زعيم إسرائيلي، وهناك مطار باسمه.

بعد إحدى عشر دقيقة من إعلان بن غوريون قيام دولة إسرائيل أعلن ترومان الرئيس الأمريكي آنذاك اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بقيام دولة إسرائيل، مما يدل على أن الأمر كان متفقاً عليه، وهذا لا يحتاج إلى شواهد ولا إلى دلائل.

حينذاك لم يكن المسجد الأقصى تحت حكم دولة إسرائيل، ففي عام ٤٨م كانت تل أبيب وما حولها، ولم تدخل ما يسمى الآن بالضفة الغربية وقطاع غزة في الحكم الإسرائيلي.

ثم حدثت حرب ٥ حزيران ٦٧م، في تلك الحرب دخلت القدس وبالتالي المسجد الأقصى في حكم بني إسرائيل، فيصبح الإفساد المقصود به في الآية: الحيلولة بين الناس وبين المسجد الأقصى.

قال: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:٤] أنت ترى الآن أن أكثر قرارات رؤساء العالم في الغرب في أمريكا يتحكم فيها اليهود، لكننا نقول ونتكلم بإنصاف حتى نستفيد: الله جل وعلا له سنتان: قدرية وشرعية، وله حبلان: حبل متصل به، وحبل متصل بالناس، والتمكين في الأرض يكون بالأخذ بالسنتين والحبلين، الله يقول: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:١١٢] فقطعاً اليهود حبلهم مع الله ضيعوه بكفرهم، فبقي الحبل مع الناس.

قبل مائة عام تقريباً كان يمنع اليهود من دخول مواطن معينة في أمريكا، ينظر إليهم على أنهم أراذل الناس، ولا يقبل أن يدخلوا أماكن يرى أصحابها أنه من العار أن يدخلها اليهود، فأخذوا بحبل من الناس.

من الذي أعطى الإسرائيلين الفكر الصهيوني أصلاً؟ من الذي أعطاها وعداً بأن تقوم دولة إسرائيل في فلسطين؟ بريطانيا، وكلنا درسنا في التاريخ وهذا ما يعرفه عوام المسلمين ما يسمى بوعد: بلفور، لكن الصهاينة كانوا يقرءون التاريخ السياسي قراءة صحيحة، فما تمسكوا ببريطانيا رغم أنها هي التي أعطتهم الوعد.

بل كانوا يقرءون أن الرياح العالمية تميل نحو الولايات المتحدة، فضربوا أوتاد خيامهم في أمريكا وأصبحوا يحاولون أن يصلوا إلى صناع القرار في الكونجرس والبيت الأبيض، وتركوا بريطانيا لعلمهم في القراءة السياسية أن القوة ستميل ناحية أمريكا.

فالمقصود: أن الصهاينة قرءوا السياسة جيداً، وعلموا أن القرار العالمي سيصبح مصدره الأول في الولايات المتحدة، فسحبوا بساط النفوذ من بريطانيا، وجعلوه في أمريكا، وأصبحوا ينيخون مطاياهم هناك، فتصور بلداً أو قوماً أو قلة من شذاذ الآفاق يدخلون بلداً كانوا قبل عام ممنوعين من دخول مواطن معينة فيه لأنهم عار، ثم بعد مائة عام من حياة الأمم يصبح القرار الأمريكي قلما يصدر إلا عن طريقهم، ويطلب رضاهم جميع من حكم الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا حبل من الناس، أما حبل الله فليس لهم عنده من حبل؛ لأن الكفر يقطع كل شيء.

وبنو الإسلام -للأسف- ضيعوا حبل الله وحبل الناس، لكن لو وجد حبل الله كاملاً ووجد مع اليهود حبل الناس فقط فسيغلب حبل الله، لكن الولاية العامة لا بد فيها من حبل الله وحبل الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم -وأنت تعلم أنه القدوة والأسوة وعليه أنزل القرآن- كان يتآلف العرب بالزواج منهم، وهذا من حبل الناس، (حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وهذا من حبل الناس كما قال صلى الله عليه وسلم.

ولما خرج إليه زعيم أحد القبائل في قريش التي تعظم الهدي في صلح الحديبية قال: (هذا من قوم يعظمون الهدي أخرجوا الهدي من مكانه) فأخرج الهدي، والهدي ضامر لأنه محبوس، والله يقول: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح:٢٥]؛ لأن الهدي قطع مسافات من المدينة إلى مكة وحبس من دخول الحرم فأصبح معقوداً ضامراً ولا مرعى.

فلما جاءه رجل من قوم يعظمون الهدي أمرهم بأن يطلقوا الهدي حتى يرى هذا، فهذا من مجرد ما رأى الهدي رجع قبل أن يلقى النبي وقال: ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، ورجع إلى قريش يحذرها، هذا كله داخل في حبل الناس، والأخذ بالأسباب المشروعة، لكن الإنسان لا يؤجر على حبل الناس، بل يؤجر على حبل الله، لكن الحبل العظيم حبل الله بلا شك، فإذا أخذت بحبل الله كاملاً فخذ بحبل الناس قدر الإمكان.

الذي يعنينا: أن المسجد الأقصى قلنا دخل في حكم اليهود بعد حرب ٦٧ وهو باق إلى يومنا هذا، نسأل الله له الخلاص.