للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله تعالى: (جئنا بكم لفيفاً)

قال الله: {اسْكُنُوا الأَرْضَ} [الإسراء:١٠٤] هذه من الإشكالات التي لا تجعلني أجزم؛ لأن الله قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء:١٠٤] يعني: عندما نريد أن نهلككم نجمعكم.

قال: {اسْكُنُوا الأَرْضَ} [الإسراء:١٠٤] ولم يحدد الله مكان الأرض؛ ولهذا فاليهود قبل قيام دولة إسرائيل كانوا منتشرين في أكثر بقاع العالم، فالحكومة التي حكمت بقيادة بن غوريون أول ما حكمت وضعت أموالاً باهظة لمن يأتي من اليهود إلى إسرائيل؛ لأن اليهودية ملة، أما إسرائيل فدولة.

والذي يعنينا: أنه يوجد يهود الآن في أمريكا ممن يحملون الجنسية الأمريكية أو غيرها، لكن يوجد يهود في إسرائيل معه جنسية إسرائيلية، فجاء يهود الدونما ويهود الفلاشا من اليمن وحدها، فقد ثبت أنه خرج أربعة آلاف يمني يهودي ممن يقطنون اليمن، ويهود الدونما جاءوا من الاتحاد السوفيتي، ويهود الفلاشا أتو من الحبشة مصداقاً لقول الله جل وعلا: {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء:١٠٤] أي: بحصادهم.

فقد يكون هذا العلو والإفساد متتابعاً، وهذا من الإشكالات.

قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء:٤] أي: في الكتاب الذي عنده.

{لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء:٤]، والله لا يتكلم عن فساد أفراد وإنما يتكلم عن فساد أمم.

{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:٤] أي: أمراً ظاهراً.

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء:٥] أي: أولى المفسدتين.

{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا} [الإسراء:٥]، وجاسوا هنا: تسمعون في الاصطلاحات العسكرية الآن بما يسمى: تمشيط المنطقة، فجاسوا تأتي بنفس المعنى، والتمشيط لا يكون إلا من ذوي قدرة، أي: أن الذي سيغلب اليهود سيكون له سلطان، وسينقب تنقيباً حثيثاً عنهم: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء:٥].

قال: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَليْهِم} [الإسراء:٦] والذي رد الكرة رب العزة، لكن لا بد أن يكون هناك أسباب، وهو جل وعلا الذي جعلها.

قال: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [الإسراء:٦] وعلى القول الأول أياً كان الأمر هذا -يعني: العلو هذا، أو هذا الثاني- وهذا ما نراه من تظافر الأمم معهم.

قال: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ} [الإسراء:٦] لاحظ تعبير القرآن، قال: {نَفِيرًا} [الإسراء:٦] وكأنه يمثل البوق الإعلامي، ما قال: وجعلناكم أكثر عدداً؛ لأن اليهود أقلية لا يمكن أن يصبح عددهم كثرة هائلة، مستحيل حتى في التوالد، يعني: أنهم بضعة ملايين في العالم كله يمكن عدهم؛ ولهذا ما قال الله: أكثر عدداً، بل قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء:٦ - ٧] وكلمة الآخرة تدل على أنه لا ثالث بعدها، قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء:٧] أي: وجوه اليهود.

{وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:٧] والمسجد قطعاً هنا المقصود به: المسجد الأقصى.

{وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٧] قلت: إلى هنا نقول: انتهى الحديث عن اليهود.